ليست تربية الأبناء بسهولة إدارة مؤسسة عالمية كبرى! نعم، الجملة صحيحة، فالأبناء هم خلاصة جهد إنساني لأب أو لأم قد يستمر سبعين أو تسعين عاماً، هو جهد أعظم من بناء المؤسسات وتشييد المشاريع، لأنهم ذِكرانا ودفتر إنجازاتنا الأشد أهمية، لذا فبناؤهم كقادة هي المهمة الأصعب على الإطلاق من بين مهماتنا الأخرى في حياتنا.

ولأن التربية تُفهَم خطأً في كثير من المجتمعات، ويُنظَر إليها على أنها جهد تلقائي تطبيقي عملي يومي مدمج مع بعض العمل النظري القائم على جرعات النصح من فينةٍ إلى أخرى، فإن بناء أبناء قياديين في منازلنا ليست بعد الآن مسألة تتعلق بفهمنا لسياق الأب النموذج والأم المثال، لأن القضية لم تكن يوماً هكذا.

أيها السادة إننا مدعوون إلى استيعاب جديد في العلاقة المسكوت عنها بين تفاعلات التربية المنزلية اليومية، التي تسير جنباً إلى جنب مع التلقين المدرسي لأنماط سلوكيات العرف المجتمعي وأخلاقياته، وبين النظر إلى مخرجات الشخصية القيادية لدى أبنائنا من زاوية العنصر المفقود فيها وهو التدريب، فالقيادة في أساسها تمثل ولادة فرد ما كقيادي، ونموه في وسط ومحيط أسري وبيئي قريب تُستحضَر فيه معاني القيادة ورمزيتها وممارساتها، ولكن ما أعظم أن يكتمل هذا المثلث بالتدريب الذي يركّز على صهر كل تلك الاستفادة العملية في إطار شبه أكاديمي نظري يلحقه تدريب عملي ممنهج ومخطط له جيداً وقائم على أساس علمي!.

إن تربية قادة يخرجون من بيوتنا ليقودوا المجتمع إلى الأفضل هو أمر يستحق العمل عليه دون كلل، فالقيادة في أي مجتمع هي عنصر إمداد على مستوى الفعل والتغيير.

العمال القياديون يدركون قيمة العمل أكثر، ويجدون في ضرورة الابتكار في مواقعهم مسألة أخلاقية بامتياز تقود إلى مخرجات عمل أعلى.

والمعلم القيادي في المدرسة يدرك أن مهنته العظيمة تلك ليست وظيفة وعملا روتينيا ينتهي بانتهاء الحصة الأخيرة كل يوم، ولكنه يقدّر عالياً دوره في بناء دولة كاملة هو أحد أهم مرتكزات البناء فيها.

من هنا، فتدريب أبنائنا على القيادة لن ينتج بالضرورة قادة منهم جميعاً، فهناك من يولد بصفات قيادية ضعيفة جداً، ولكن حتى أولئك الذين لم يولدوا ليكونوا قادة، سيوفر لهم التدريب الفرصة لتنمية قدراتهم القيادية الضعيفة جداً ليصلوا إلى مستوى يؤهلهم لمواجهة الحياة بشكل أفضل.

التربية القيادية لأبنائنا هي قدوة في البيت، وانضباط مدرسي، وتدريب تطبيقي مصمم جيداً وذو قيمة علمية حقيقية.