حياة الإنسان ليستْ دائمًا كما يحب، فهناك المشاكل والمُنغصات والألم والفِراق والصدمات والهجر إضافة إلى المشاكل الاقتصادية والمهنية والعاطفية وظُلم الآخرين وجلساء السوء وما تخفيه الليالي، إنها تُحوّل نهار الإنسان إلى ليلٍ حالك السواد أما قبوله أو تقبّله والتعايش معه أو رفضه.

قال الشاعر امْرُؤُ الْقَيْس :

(ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَــهُ*** عَلَيَّ بِأَنْـوَاعِ الهُـمُوْمِ لِيَبْتَلِــي).

كم هو صعب أنْ يتقبل الإنسان الواقع الذي لا يعجبه ويترك نفسه تغرق في أعماق البحر. تقبّل الواقع لا يعني الاستسلام، تقبله يعني أن تكون الخطوة الأولى في تغيِيره إلى الأفضل بمصالحة نفسه أولاً وعدم التوقف عند محطة الإحباط بل لملمة الجراح والصدمة والنظر إلى الأفق الواسع. قبول الواقع في حياتنا هو الحل الأمثل لكثير من الأمور.. نعم ربما هذا الواقع يكون مفيدا والقبول به إيجابيًّا في بعض الأحيان وعندها نقول: الله لا يغيّر علينا.

قال تعالي (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، والنفس هي التي تتصرف بتقلبات الإنسان وتبني شخصيته والنفوس هي الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة‏.‏

رفض الواقع والإصرار على تغييره يجعل الإنسان يغير الكثير في تفاصيل حياته، هذا التغير هو الطريق الذي يغير الواقع وما أكثر الذين قبلوا بالواقع وانطلقوا إلى تغييره، حتمًا سيوف يصادف الإنسان معوقات ومطبات لكنها هي الثمن الذي سيدفعه ليغير واقعه إلى واقع جديد، اللحظة التي تبدأ فيها التغيير سوف تجد نفسك سعيدًا. للأسف هناك شريحة من الناس تُجبرْ أن تتقبّل واقعها وإن رفضته فالواقع يزداد سُوءً، إنها الشريحة التي لا تستطيع أن تغير واقعها.

الزوجة التي يضعها زوجها في واقع من أفكاره العدوانية، الموظف أو الموظفة التي تعيش بيئة عمل سيئة، أصحاب المهن المنزلية التي يتحكم بها من سكنت القسوة في قلوبهم، الزوج المُقيد بشروط زواج تعجيزية. عالم يكتظ بالذين لا يستطيعون أن يغيروا واقعهم.

«التغيير سنة الحياة» والركون للواقع المؤلم هو بحد ذاته مولم، إن ألم تغيير الواقع عند الإنسان سيتحول إلى واقع جميل حين يتخطى مرحلة اللاواقعية، للأسف المحبطين لسان حالهم يقول: هل هو أسهل علينا أن نغير الواقع أو تغيير نظرتنا للواقع؟ أجوبة كثيرة تعتمد على مدي قبول الواقع أو رفضه.

مرة أخرى هناك أناس محبطون يستسلمون ويتقبلون الواقع السلبي ولا يحركون ساكنًا، إنهم أناس قصرو النظر عديمي الثقة بأنفسهم والذين يتطلعون للتغير وهم واقفون وعندهم إيمان أن ما يقومون به هو التعايش وليس الاستسلام. أغلب المشكلات التي يتعرض لها المرء تكون بسبب اختياره عدم تقبل حقيقة أن الأشياء من حولنا لا نملك السيطرة الكاملة عليها، وهذا غير صحيح حين نعطي للعقل مجال للتفكير الإيجابي.

همسة للواقفين على أرضٍ رملية، تحركوا ارفعوا رؤوسكم، فالأرض الصلبة من حولكم، وغيروا واقعكم الشخصي المحبط، إلى واقع يكسوه الربيع وتغرد به الطير.