اليتم تجربة قاسية، ولكننا من يصنع الفرق، لكن التصنيف المجتمعي لليتم قائم على التعميم المطلق، فنقول وإن كان ابيض شعره يتيم، وقد قال عليه السلام «لا يتم بعد احتلام»، فاليتيم هو من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، فإن بلغ زال وصف اليتم عنه!

ومن ماتت أمه لا يقال عنه يتيم، وإنما يقال عنه «العجيّ» مصطلح لا يُسمع بين العامة ولا الخاصة، أما من مات عنه الأبوان فيقال عنه «لطيم»، أي أنه من الخطأ الشائع بأن نُسمي كل من فقد أبواه أو أمه يتيم!.

نشأ لطيماً فكان رحمة للعالمين فبأي فقد عاش وأي جلادة اكتسب؟! ليصنع معجزة التغيير التي شهد له العدو قبل الصديق، فسبحان من خلق القوة ضعفا، وبعث النور في قلب الظلام، وبذر الحياة في رحم الموت..

اليتم خطوات كُتبت على البعض ولكنها صقلت إنسانيته، هذبت روحه، منحته الحياة بصورة غير ما عهدها الآخرون، ولكنه التميز وكما يٌقال بين طيَّات المحن تأتي المنح، تخطو حاجز اليتم والفقد.

وفي نبينا الأسوة الحسنة ولو قلبنا صفحات التاريخ لوجدنا العجب العجاب! أسماء غيرت مجرى التاريخ فكانت هي التاريخ، خطت أحرف من نور لتضيء للدنيا بجميل صنعها واتقاد فكرها، ولدت لتلد الإنجازات لتبشر بعالم يحفهُ الإبداع ليتجلى به اليتم بأروع الصور وأكثرها عنفوانا وعزيمة.

الشافعي الإمام العالم أحد أئمة المذاهب الأربعة يتيم، أبو الطيب المتني أشعر شعراء العرب نشأ يتيما «عجيَّ»، فقد ماتت أمه دون أن يعقلها، أبو هريرة ومن لا يعلم من هو أبو هريرة! قال مُخبرا عن نفسه «نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا وكنت أجيرا لابنة غزوان، أحدو بهم إذا ركبوا، وأحتطب إذا نزلوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة أماماً».

طارق بن زياد القائد المسلم والفاتح العظيم فاتح الأندلس قُتل والده وهو صغير «أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر.....».

عبد الرحمن الداخل «صقر قريش» مؤسس لأعظم ممالك الدنيا في الأندلس بنخيلها وجنائنها، كان يتيما! ،غاندي الزعيم الهندي المعروف فقد أباه صغيرا، فما منعه ذلك من النضال فكان من أقوى المناضلين تأثيرا.

حافظ إبراهيم، هتلر، وغيرهم كثير كان لهم السبق والفضل بشتى المجالات والعلوم والفنون، فاليتم قوة من حيث لا تعلم، قوة كامنة ما أن نعرف الطريق إليها، يبدأ التغيير وليس داخلياً فقط، فقد وحرمان تمخض عنه عطاء منقطع النظير، فكم من يتيم كما رأينا كان وجها آخر للحياة، علم وتعلم فكان هو الفارق.

لكل يتيم.. ثق بنفسك وبقدراتك، ولا يهم أن تواجه العالم بصدر عار، لأنك تملك حصانة لا يراها غيرك، فقم وانفض عنك غبار التعاطف المشؤوم، استنهض جدك وعزمك، كن أنت التغيير.