من المتفق عليه بين كل الناس، أنه لا «حج» بلا مشقة، وتبدأ هذه المشقة منذ أن يبدأ الحاج بنية الإحرام من الميقات، وامتناعه ذكرا كان أو أنثى، عن الترفه بوضع الطيب والروائح، على الثوب أو البدن، وعدم إزالة الشعر أيًا كان موضعه في الجسد، وعدم تقليم الأظافر لليدين والرجلين، وعدم القيام بالعلاقة الحميمة، وعدم الخطبة أو مباشرة عقد النكاح سواء لنفسه أو لغيره، وعدم التعرض للصيد البري، وينفرد الرجل بالمنع من ارتداء الملابس الداخلية، والأحذية المعتادة، وعدم تغطية الرأس بملاصق له، وعدم تغطية الوجه.

حج هذا العام، كان استثنائيًا، ومن وجوه متعددة، ويخطئ من ظن أو يظن أنه كان أو يمكن أن يكون بلا مشقة أو تعب، ولا أقصد أن يطلب الإنسان لنفسه المشقة، أو أن يوقع نفسه فيها، إنما أقصد أن الواقع في المشقة ينبغي أن يعرف أن ذلك متوقع، وأنه باب للأجر، وعليه من قبل ومن بعد، أن يكون منصفا، وألا يغض طرفه عن المحاسن.

المعلومات الإحصائية «الرسمية» لحج هذا العام، تشير إلى أن عدد الذين تأهلوا للحج، بسبب ظروف قيود كورونا المستجد، بلغوا 58.518 حاجًا، منهم أكثر من 25 ألف حاج، 44% من المقيمين على أرض المملكة، توزعوا جميعًا بين 213 مخيمًا، منها 71 مخيمًا بمشعر منى ومشعر عرفات، و71 ساحة في مشعر مزدلفة، علاوة على 848 غرفة في أبراج مشعر منى.

ضيوف الرحمن، تشرف بخدمتهم أبناء وبنات هذا الوطن الكبير، في كل مراحل حجهم، مثل طوافهم بالكعبة المشرفة، وسعيهم بين الصفا والمروة، وسط تنبيهات التباعد الجسدي، وقبل ذلك تفويجهم من أماكن تواجدهم، ومرورهم بنقاط الفرز المختلفة، وتصعيدهم للمشاعر المقدسة، وتسكينهم في الأماكن المعدة لهم، وتقديم ما يلزمهم من خدمات وحاجيات.

ربما لم تكن توقعات الحجاج متوافقة مع الذي شاهدوه في حجهم؛ وعلى سبيل المثال أسرة النوم، ووجبات الطعام، وأماكن الوضوء بعرفات، وأوقات التحركات، وكلها وغيرها أمور، لا يمكن أن يستوعب عدم الرضا عنها، إلا العارف ببواطن المسائل وتفصيلاتها؛ فأوقات التحركات وتغييرات الخطط -مثلا- أمور تخضع للتقييم الميداني المستمر، ولا يمكن أن تكون مضبوطة بنسبة 99.9% إلا لو كانت على قطارات أو طائرات، ومثل ذلك أيضا تفويج الحجاج للطواف، وتوزيعهم بين الدور الأساسي والأدوار العلوية، بسبب التقدير الميداني، وسعي المنظمين على التكيف مع الواقع الذي أمامهم، ومثله أيضًا وجبات الإعاشة، «مسبقة التحضير»، التي يمكن أن يستوعب بعض التقصير فيها من علم أن المكلفين بتقديمها التزموا بالاشتراطات المفروضة عليهم، من تعاقد مع متعهدين مؤهلين، وجدوهم في «منصة» رسمية متخصصة، يشرف عليها غيرهم، والحق أنها لم تكن وجبات ضارة؛ إنما كانت مشكلتها أنها لم تكن متناسبة مع كل الأذواق، ولم تكن متوافقة بالقدر الكافي مع أصحاب الأعذار.

أختم، بأن الحج الخالي من المشقة، أمر شبه مستحيل، ولا توجد مشكلات بلا حلول، وأن عمليات «التقييم» بدأت ولن تتوقف، وسيعقبها كثير من «التقويم»، ومهما تكن من ملحوظات، فإنها لا يمكن أن تلغي الإيجابيات الكثيرة، والجهود الجبارة التي بذلها ويبذلها من ارتضى لنفسه لقب «خادم الحرمين الشريفين»، حفظه الله ورعاه، وألزم «حكومته»، وأبناء وبنات بلده بأن يكونوا خداما لضيوف الرحمن.