قرأت الكتاب الذي أصدره الأمريكي سـتيفن كونيـن قبل شهرين بعنوان (غير مستقر: ما يخبرنا به علم المناخ، وما لا يخبرنا به، ولماذا يهم ذلك Unsettled: What Climate Science Tells Us, What It Doesn't, and Why It Matters) وهو يتحدّث عما أردّده دائمًا بأن مشكلة قضية المناخ هي إعلامية أكثر من كونها بيئية. فنحن لا ننكر وجود مشكلات بيئية حاليًا ولكن الإعلام الغربي يصوّرها بطريقة مرعبة من أجل تحقيق غايات أكثر من كونها بيئية في ظل تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي وتحديات بدائل الطاقة في أوروبا. فالمبدأ الذي يقول إن استمرار العالم على بعث الكربون بهذا القدر سيزيد من حرارة كوكب الأرض درجتين مئويتين بنهاية القرن الجاري هو مبدأ غير دقيق. فالزيادة قد حدثت بالفعل والأسوأ قد مضى، والنظرية العلمية تبنى على أساس الزيادة اللوغاريتمية، وليست الزيادة الإضافية، بمعنى أن الكمية التي بعثها العالم في 2019 وهي 44 مليار طن من غاز الكربون هي الحد الأقصى لاستبقاء درجة حرارة كوكب الأرض كما هي لأننا عندما انخفضت الانبعاثات العام الماضي بمقدار 18% لم تنقص درجة حرارة الكوكب. ولكن الكوكب بحاجة إلى أن تتضاعف الكمية إلى 88 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون لتزداد حرارته درجة واحدة إضافية، وبالمثل إلى 176 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون لتزداد درجة أخرى وهذا مستحيل والسبب أن العالم لن يبلغ 88 مليار طن من غازات ثاني أكسيد الكربون سنويًا حتى 2200 إذا استمر بنفس الوتيرة بمعنى أن يصل سكان العالم إلى الضعف وهو 14 مليار نسمة.

الأسبوع الماضي لم ينجح وزراء دول مجموعة العشرين بالاتفاق على خفض استخدام الفحم الحجري، وهو الذي يمثل 50% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالميًا. وبالطبع فالولايات المتحدة ما زالت تصدّر الفحم الحجري إلى دول آسيا باعتباره رافدًا مهمًا من روافد الميزانية الأمريكية، هذا إضافة إلى تصدير الغاز الطبيعي.

ما يظهر جليًا هو أن قمة جلاسكو للمناخ COP26 التي ستعقد في نوفمبر المقبل والتي ستضع أمامها خارطة طريق الحياد الكربوني الذي قدمته وكالة الطاقة الدولية في مايو، واتفاقية دول مجموعة السبعة ومبادرة الرئيس بايدن B3W سوف تصطدم بالواقع الذي سيعتمد اعتمادًا كليًا على وضع أسواق الطاقة في حينه. بمعنى أن استقرار سوق النفط والطاقة سوف يعطي صنّاع القرار في مجموعة أوبك بلص أريحية أكثر في الوصول لاتفاق يخدم مصالح الدول الأعضاء وكذلك لمواجهة العداء المصطنع للنفط والكربون والبلاستيك والتضخيم الإعلامي لقضايا المناخ من أجل كبح نمو الاقتصادات الآسيوية وإبطاء تراجع الاقتصادات الأوروبية للطاقة.

لقد كانت جائحة كوفيد19 أكبر وأطول تحدٍ واجهه العالم منذ قرون كما مرّ بصعوبة شديدة على قطاع النفط والغاز والطاقة بشكل خاص، رغم أن دول مجموعة أوبك بلص بقيادة السعودية نجحت نجاحًا باهرًا وملفتًا في ضبط استقرار أسواق النفط والطاقة، وهو بتدخل مباشر في كثير من الأحيان من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإذابة أي خلاف واجهته المجموعة، مثل الخلاف الأخير مع الإمارات، والذي نتج في نهاية المطاف عن تحقيق التوافق التام بين كل الأعضاء (بأسلوب الفوز للجميع) لأن الدبلوماسية والسياسة كانت يجب أن تكون حاضرة على الدوام. فالمملكة العربية السعودية أثبتت للعالم أجمع أن هدفها ليس الربح المادي فهي قد خفّضت طوعيًا ولأشهر عديدة من إنتاجها النفطي بهدف ضبط السوق، ولم تكن تتوق لكسب حصص سوقية أكبر. بل على العكس كانت الرسالة واضحة وجليّة أن مبدأ السعودية ثابت ولا يتغير مع مرور الأزمان وهو (خير العالم ورخاء العالم ودعم الاستقرار الاقتصادي والاستقرار السياسي لدى كل الدول الصديقة)، لأن قائدة العالم الإسلامي يجب أن تعكس قيمتها الحقيقية في سلوكها كدولة وهو ما تقدّمه السعودية يوميًا وفي كل المحافل والأصعدة. ولا أدلّ على ذلك من حديث السيّد روبرت يوجر، المدير التنفيذي لمستقبل الطاقة في شركة ميزوهو للأوراق المالية، في حديثه لبلومبيرغ الأسبوع الماضي الذي قال فيه: إن على العالم أن يشكر السعودية على إدارة أزمة النفط والطاقة بنجاح، وعلى دعمها السخي بالخفض الطوعي لإنتاجها لضمان استقرار أسعار النفط والتخفيف من حدّة الجائحة على كل الاقتصادات العالمية.

من المهم أن يعرف القارئ، أن السعودية لم تقدّم هذه التخفيضات من موقف ضعف أو لقاء موقف سياسي معين، بل على العكس تمامًا فالسعودية ليست بحاجة لأحد، فهي أكبر مخزن للنفط الخام، وأكبر دولة في العالم لديها بدائل طاقة ومشاريع قائمة للهيدروجين الأخضر والأزرق والطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وسوف تصل السعودية خلال أقل من عشرين سنة لمرحلة الاختيار بين مصادرها للطاقة، ما يعني أن الرياض قد أصبحت منذ اجتماع أوبك بلص الأخير نقطة الشمال لكل أسواق الطاقة وبدائلها، وسوف تظل على الأقل لنهاية القرن الجاري بوصلة اتجاهات لكل مشاريع الطاقة بإذن الله.