يُنظَر إلى المعرفة على أنها تلك المعلومات التي نقوم ببنائها في أدمغتنا وتخزينها فيها، فنحن على سبيل المثال نعرف خريطة العالم، وقاراته، وبحاره ومحيطاته، من حيث الشكل والمسمّيات، والمعرفة أيضاً هي معتقداتنا وتحليلنا للأحداث وفق فهمنا وخبراتنا، حيث يقوم العقل بربط الأفكار والذكريات والمعتقدات والتنبؤات ليكوّن منها ما نسميه المعرفة.

وفي عالم الإدارة لا يختلف الأمر كثيراً، حيث إن خبراتنا الإدارية التراكمية تصنع الجزء الأهم المطلوب لممارساتنا الإدارية اليومية جنباً إلى جنب مع البيانات التي نقوم بتحويلها إلى معلومات، واستناداً إلى المعرفة نقوم بثقة بتأسيس قراراتنا، معتبرين أن المعرفة هي الخادم الذي يخدم عملية التحليل والتفكير لاتخاذ قرار ما في اتجاه معين. والمعرفة ليست تلك التي نخزنها على جهاز كمبيوتر، إذ أن جهاز الكمبيوتر لا يمكنه تحليل الخبرات والمعلومات كما يفعل الدماغ، وعليه فإن المعرفة يتم تخزينها في الدماغ حصراً.

ولبناء المعرفة في الدماغ، يتم استخدام مصدرين هما البيانات والمعلومات، أما البيانات فهي الحقائق المجردة عن كل شيء، فشروق الشمس من المشرق حقيقة، وطولك الذي قد يبلغ متراً و80 سنتيمتراً هو أيضاً حقيقة، ولون شعر زميلك في العمل يعتبر أيضاً من البيانات، ولا تفقد البيانات الخاملة قيمتها لمجرد أنها غير نشطة، لأنها تحتفظ بقيمتها من حيث كونها قابلة للاستخدام في المستقبل لتتحول إلى معلومات، حيث تكتمل قيمتها عندما تتحول في نهاية المطاف إلى معلومات تلتحم مع مكونات أخرى لتصل في نهاية المطاف إلى مستوى المعرفة، وقد تكون البيانات في كثير من الأحيان غير مكتملة، وقد تستخدم أجزاء منها لتحليل قضية ما وليس بالضرورة أن جميع محاور البيانات يتم استخدامها في اتجاه واحد، فالبيانات لا تمتلك تسلسلاً منطقياً، ولا تصبح منطقية بالكامل إلا عندما تتحول إلى معلومات. ومع ذلك، فالبيانات التي يبنى عليها على سبيل المثال نظام برمجي يتم من خلاله تشغيل برنامج محوسب تعتبر في علم البرمجة بيانات كاملة، وتكتسب البيانات أيضاً صفة «التاريخية»، حيث إنها وفي عالم اليوم تتعرض لتحديثات مستمرة، ولهذا لا يمكن وصف أغلب أنواع البيانات اليوم أنها الأحدث على الإطلاق، لأن الأحدث منها متوقع في أي لحظة.

ومن جهةٍ أخرى، تعتبر المعلومات بمثابة ترتيب وتنظيم للبيانات، وربما يتم نقل البيانات للأفراد بطرق مختلفة ومتنوعة، بسبب وجود تنوع مثل اختلاف اللغات، أو الثقافات، أو لوجود عوامل داخلية أو خارجية تتحكم في صناعة الشكل النهائي للمعلومة، فوجود إعصار على سبيل المثال في منطقةٍ ما هو بيانات، ولكن نقل الإعصار عبر شاشات التلفاز سواء كان ذلك نقلاً حياً أو مسجّلاً، هو معلومات يتم بثها للجمهور. ويرى البعض أن المعلومات هي تفسير للبيانات لكي يتم اتخاذ إجراء بناءً على تلك البيانات، بينما تعتبر المعلومات التحويلية أكثر تعقيداً، إذ أن هذا النوع من المعلومات من الأهمية بمكان أنه قد يسهم في تغيير قاعدة المعرفة البشرية مستقبلاً، وترتبط المعلومات التحويلية بخورازميات الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تقدم في المستقبل القريب طفرة معرفية جديدة مبنية على قدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين نتائج تسريع استخدام المعرفة في تطبيقات جديدة قادرة على تطوير جميع مناحي الحياة البشرية.

ومن المهم بمكان النظر إلى العلاقة بين المعرفة والبيانات والمعلومات على أنها علاقة ثابتة لا يمكن القفز عنها، وهي بما تطرحه من مفاهيم معرفية تستحق أن يتم إدخالها في نطاق الابتكار المتجدد، من خلال البحث عن أدوات أكثر فعّالية من أجل تطويع عملية نقل المعرفة بشرياً وآلياً، لكي تكون المعرفة كما يُراد لها دوماً بوابة لخدمة الأهداف الإنسانية النبيلة.