فرض فايروس كورونا سطوته على الكرة الأرضية فرقت له الرقاب وتمددت له الأذرع، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من اللَّه فأتاهم اللَّه من حيث لم يحتسبوا، اختلفت الحسابات وتغيرت القوائم المالية العالمية ونكست الأسهم التجارية أعلامها. من الناس من عبس وبسر لم يخش هذه الجائحة بل وتعامل معها مثل من يستضيف الأفعى على فراشه، رأى بنظرته المانعة وقوته الدافعة أنه أقوى حتى أتاه اليقين.

الناس في مواجهة هذا الفايروس انقسموا إلى فريقين، فريق توكل على الله واستقى المعلومة من أهل العلم والاختصاص ففاز وظفر، وفريق كان إنسانا متحورا معيناً للفايروس في إحكام وطأته القاتلة سيما بعد ظهور سلالات جديدة من فايروس دلتا ودلتا بلس plus، الفريق الأخير لا يؤمن بهذه الواقعيات ولا يعتبرها إلا شطر مؤامرة لم تكتمل بعد.

العجيب في هؤلاء أنهم لا يقفوا عند حد المؤامرات كفكرة مجردة بل بات بعضهم يشكك في علم أطباء الفايروسات، ويطعن في نزاهتهم وحيادهم، حتى وصل به الحال إلى رميهم بشرر كالقصر، وأن ما تروم له تلك الدراسات والنظريات هي مصالح اقتصادية وقومية في المقام الأول.

بل ويذهب إلى أبعد من ذلك فيرى أن منظمة الصحة العالمية ما هي إلا لوبي تمرر من خلال أروقته المؤامرات على صحة الإنسان، وأن انسحاب أمريكا سابقاً من تلك المنظمة كعضو فاعلٍ فيها لم يكن إلا غضباً للتفاضل بينها وبين قوى عالمية أخرى تفوقت عليها في المصالح.

وبالعودة إلى صفحات فايروس كورونا والبروتوكولات المفروضة عالمياً نجد أولاً: اتباع ما يسمى بالإجراءات الاحترازية، ثم المواجهة الحاسمة،

ثانياً: وهو سلاح يتحصن به الإنسان بعد التوكل على الله يبدأ من أخذ اللقاحات على جرعات واحدة أو أكثر. ولا غرو ففي سبيل صحة الإنسان هرعت دول كثيرة من الدول الغنية كان في مقدمتها المملكة العربية السعودية التي استقطبت الكوادر الطبية المتخصصة من أنحاء العالم، تدعيماً لسواعد صحية وطنية أكثر تميزاً، وجلبت الجرعات اللقاحية المضادة للفايروسات من أفضل الشركات الدوائية العالمية بمليارات الدولارات، في جزء من المواجهات الحاسمة لهذا الوباء، فكان الإنسان أولاً.

وباستشعار نعم الله علينا وبجهود دولتنا وفقها الله في إغاثة الدول النامية أو المحتاجة بمدد من الغذاء والدواء واللقاح، لا يزال هناك رتل من البشر يهيئ المستنقع الجاذب للفايروس بتجنب أخذ اللقاح أو بالمناداة في وسائل التواصل الاجتماعي لا للتطعيم الإجباري، يأبى إلا ركب آخر يعوم به في شواطئ مظلمة، ويرى بعين واحدة من زاوية معتمة، وحال هؤلاء كحال كنعان بن نوح والسفينة تسير بوالده ومن معه من المؤمنين في موج كالجبال، وكان الأب الداعية عليه السلام يريد أن يكون ابنه من ركبه لكي لا يغرق إلا أن مسلكه كان خاطئاً وتوقع أنه سينجو بفعلته كما في سورة هود قوله تعالى: وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللَّه إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.

أستعيد هذا الحدث الإنساني المشابه لنداءات وزير الصحة السعودي وهو يصرخ من القلب بشفقة حانية للجميع (اتبعوا الإجراءات الاحترازية واحصلوا على اللقاح) فكان الغالبية العظمى ممتثلين ومستشعرين لهذه الكلمات فقطفوا ثمار صحة وعافية، وتجنبوا بحفظ الله مخاطر صحية وخيمة.

وفي المقابل أجد تفسيراً للعائمين على الشواطئ المظلمة الرافضين لفكرة اللقاح، فضلاً عن تلقي جرعة منه أن الفوبيا لديهم هي فوبيا مالتوسية عضّت على عقولهم بأنياب رؤيتها المفرطة في طغيان التنظير السياسي والفكر الاستبدادي، تلك النظرية التي بنيت أسسها على المؤامرة الفعلية وليست القولية كان فارسها القس البريطاني مالتوس الذي نشر مقالة له 1798م قال فيها: «إن سكان العالم في تزايد مخيف وأن الحل في مواجهة هذه الزائدة البشرية يكون بأحد أمرين إما سلبياً بمنع الشباب من الزواج ونشر المثلية والشذوذ الجنسي، وإما إيجابيا بنشر الكوارث الطبيعة ونشر الأمراض والمجاعات بينهم، لم يكتف بهذا بل دعا إلى إيجاد مزيد من الحلول أكثر جرماً في حق البشرية».

وبغض النظر عما إذا كانت مؤامرة أو غيرها إلا أن من الجدير أن يعزى الاختصاص إلى أهل الاختصاص وألا يفهم كل أمر في غير محله وألا توضع الكلمة في غير سياقها الصحيح. وليست المسألة من السذاجة بمكان أن يصدق كل ما يقال ويقرأ، فكما قيل إذا كنت ستصدق كل ما تقرأ فالأفضل ألا تقرأ.

عليه أرى أن التسليم المطلق بالنظريات غير المتخصصة سيما في الجوانب الثلاثة (الشرعية، والقانونية والصحية) خطير. لا تقرأ إلا بفهم وإذا فهمت فلا تفسر إلا من مختصين ضالعين في علمهم وتخصصهم، وكما قيل قديماً وحديثاً (أهل مكة أدرى بشعابها).