بينما كنت أعيد حاجياتي لأماكنها بعد عودتي من رحلة الحج الجميل، وأنا أقلب صفحات أوراق الذكريات التي صنعتها مع من صار لي الشرف بمعرفتهم، خطر تساؤل على بالي.. أيمكن للرحيل أن يقتل الذكريات؟ هل من الممكن بعد ترك المكان الأساسي الذي حصلت به تلك الذكرى أن تذهب وتتلاشى بعد تركه؟ هل الرحيل كفيل وسبب بجعل الذكريات تنسى سواء كانت جميلة أم حتى حزينة؟.

من وجهة نظري وتجربتي الشخصية، الذكرى لا ترحل تماما لتصنع مكانا فارغا من بعدها وكأنها لم تحدث أبدا، لكن من الممكن أن تختفي بعض التفاصيل منها، وهذا يختلف من شخص لآخر، فذاكرتنا لا تقع في جزء واحد من الدماغ فقط، بل تتفرع وتتوزع، فهناك ذاكرة قصيرة الأمد، تساعدنا على استرجاع المعلومة أو الحدث بشكل سريع، ومن اسمها فهي لا تدوم طويلا بل تنتقل للذاكرة طويلة الأمد فيما بعد، فإن كانت الذكرى شديدة الأثر على النفس، فإنها ستبقى في الذاكرة حتى بعد الرحيل.

فالرحيل ليس إلا سببا لمحاولة النسيان، وربما سيعمل على تقليل حدة تلك الذكرى، لأن المكوث في المكان يجعلك تعيش في قلب الذكريات وبداخلها وفي عمقها، لكن مع اللهو والابتعاد عن تلك الذكريات، الرحيل سيكون عاملا مساعدا لتلاشي بعضها.