في ظهيرة يومٍ حار، وبينا أنا جالس في مقهى هادئ أفكر في أحوال الدنيا الفانية تارة وأتصفح جوالي تارة أخرى؛ إذ بي أشاهد شيئًا فجّر في قلبي ينابيع الضحك، فالتفتُّ يمنة ويسرى ورأيت رواد المقهى ذوي الرزانة والهدوء، فعشت صراعًا بين خجلي منهم والرغبة العارمة بالضحك والقهقهة. رباه.. ماذا أفعل؟ لم أعد أستطيع أن أتمالك نفسي، كألةٍ تناثرت أجزاؤها أو سبحة تساقطت حباتها.

تمنيت أن يكون معي صديق صدوق ليحمل عني عبء الضحك بمفردي. تذكرت الموت والمرض والهموم والديون والأحزان والفشل وخيبات الأمل والحر والزحمة وكورونا والمسؤوليات و(قومة النوم الصبح) وخسارة فريقي المفضل وشبكة النت الضعيفة وجوالي «الخربان».

وصرت -في محاولاتي لكتم الضحكة- كجوالٍ وضع على «الهزاز»، أو طنجرة ضغط تغلي ولا تستطيع التنفيس أو بطارية سيارة معطوبة يحاول صاحبها تشغيلها. سامح الله من قالوا إنّ الضحك من دون سبب قلة أدب، إذ لا يقتنعون إلا بأسبابهم المنتقاة، وسامح الله أولئك الذين يعدون الضحك تهمة «خييير وش فيك تضحك»، وكأنهم يعتقدون أن الأصل في الإنسان الحزن والغم! لدرجة أنّ الوعي المجتمعي صار يخاف من الضحك، عندما ترسّخت في الأذهان عبارة (الله يكفينا شر هذه الضحكة)!!.

أتساءل: ما الذي يمنع من الضحك دون سبب «ظاهري» طالما أنك تجنبت المواضع التي لا يصح فيها الضحك، ولم يكن بضحكتك ثمة انتقاص أو استهزاء؟ ألا يكفينا ما نحن فيه من ضغوط وانغماس في مشكلات الحياة وتحدياتها؟!.

إنّ الضحك حاجة إنسانية ورغبة داخلية ترتبط بك أنت وحدك، وليس بأمزجة المجتمع وأهوائهم وتناقضاتهم.

كما أنّ الدراسات الحديثة أكدت فوائد الضحك الكثيرة مما لا أستطيع حصرها هنا.

يقول طبيب الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد: «الضحك ظاهرة.. وظيفتها إطلاق الطاقة النفسية التي تم تعبئتها بشكل خاطئ أو بتوقعات كاذبة».

ومما أقترحه عليكم ممارسة ما يسمى بـ«يوغا الضحك»، الذي يعتمد على التحفيز الجماعي للضحك العميق.

أما المشهد الذي أضحكني ولا يزال، فلن أذكره لكم حتى يتغير وعي المجتمع تجاه الضحك.. عندها سنضحك جميعا ملء أفواهنا ومن أعماق قلوبنا.