كان صاحبنا يذهب كل صباح وقبل شروق الشمس تقريبا، إلى أحد الشعاب المليئة بالنباتات، ويتوقف بسيارته في بداية المكان، ويواصل رحلته الصباحية ماشيا حافي القدمين. يشعر ببرودة الصباح تتخلل قدميه، ويبقى هناك حتى يتخللها دفء الشمس بعد ساعتين من الإشراق، ولا يكاد يعكر صفو هدوئه إلا زقزقة العصافير الهاربة منه، وأحيانا نباح مجموعة من الكلاب- أكرمكم الله- إن اقترب من خيمة لأحد البدو الرحل والتي ينصبها بجانب مجموعة من الإبل، وأحيانا يصادف صاحب الإبل فيتشاركان حليبها الخالي من أي شيء إلا روائح النباتات التي تملأ أرجاء المكان. هذا ما كان عليه الحال قبل سنتين تقريبا، أما اليوم فقد زحف العمران قريبا من تلك الشعاب، وبدا متنزها للعائلات ومكانا مناسبا للعزائم الشبابية، ولم يسلم متر مربع واحد من آثار المخلفات، كل شيء يخطر ببالك وما لا يخطر، فعزيمة واحدة بها مجموعة من شباب في أواخر الـ«طعش» وبداية العشرينات من العمر لا يتجاوز عددهم الـ10 تركوا خلفهم (60 عبوة ماء بلاستيكية فارغة، 3 عبوات مياه غازية من الحجم الكبير، 2 كرتون مياه فارغين، 3 جراكل ماء 15 لترا فارغة....)، في أقل من 8 ساعات أمضوها هناك، وهذا حال %90 من مرتادي هذا المكان، والـ%10 المتبقية أغلبهم من جنسيات أخرى، يحضرون بكل شيء مختصر، يعرفون كيف يضعون في بداية الرحلة كيسا للفوارغ، وكيف يأخذونه معهم إلى أقرب سلة مهملات، و..... و.... من التعليمات التي أسمعها منذ 25 عاما في الابتدائي ثم المتوسط والثانوي والتلفزيون والراديو ثم تويتر واليوتيوب و.... و....، والحصيلة أن صاحبنا لم يعد يشرب حليب الإبل، لأنها تركت كل نباتات هذا المكان وتغذت على قاذورات ومخلفات هؤلاء الصبية ومن في حكمهم، ولم يعد يمشي حافي القدمين، فالفوارغ الزجاجية تم تكسيرها هنا وهناك، وأخيرا هذا الشعيب والوادي قد دخل إلى قائمة طويلة من مثيلاته حول المملكة، تحتاج لتأهيل بيئي يمتد إلى أشهر، ويكلف خزينة الدولة مئات الملايين من الريالات، وآخرها أننا لسنا بمنأى عن هذا العالم الذي تزداد فيه الحرارة والنيران والحرائق كل صيف، وقتلت وشردت مئات الآلاف هذا الصيف فقط، وبالتأكيد أن «السرى واصلنا».

نحن لا تنقصنا وسائل للتثقيف، بل نحتاج إلى تقنين الترفيه لدى أطفالنا، ومن هذا الترفيه وجود خادمة ترتب سريره من بعده وتغسل ملابسه وتحضر له كوب الكولا مع الوجبة السريعة وهو يلعب الفيديو وإلا أقام الدنيا وأقعدها. ويكبر قليلا ليكون كهؤلاء الـ10 الشباب، وإلا فكيف يجرؤ على كل هذه الوقاحة والتشويه بلا أي ضمير؟! لأنه لم يتعلم أن تعامله مع المكان منعكس من تعامله مع نفسه، فبمجرد أن يتزوج ما هي إلا فترة قصيرة، ويترك علاقته الزوجية بهذه القذارة، يرمي مخلفات وقاذورات تربيته على «بنت الناس ورأس مالها ورقة من المحكمة»، وقبلها تعامله مع أبيه وأمه ومعلمه في المدرسة وعامل النظافة في الشارع وجرسون المطعم و..... و.....، ما يجعل ما نلقيه على بيئتنا الخارجية، نابعا مما تمليه علينا بيئتنا الداخلية، فقوات الأمن البيئي ووزارة البيئة والمياه والزراعة لن تخطو خطوة للأمام، ما دامت بقية الجهات لم تضع نصب عينيها تعديل سلوك «وزارة البيئة الداخلية للبشر».