تميل الطبيعة البشرية إلى الحرية وكراهية القيود، ولهذا فمعظم الناس لا يريدون أن يكونوا ملزمين بنظم وقواعد وقوانين تمنعهم من ممارسة بعض السلوكيات، فتقيد حركاتهم وتحد من جموحهم، إلا أنه يجب أن نؤمن أن القوانين والنظم العادلة دائما تكون قادرة على خلق سلوكيات حميدة وثقافة إيجابية. مع كل قانون جديد تكون هناك مقاومة وتذمر، وربما كراهية، ولكن مع الوقت يبدأ الناس في تقبل ذلك القانون الجديد، حتى يصبح جزءا من حياتهم وثقافتهم. فعلى سبيل المثال، عندما بدأت مخالفات عدم «ربط الحزام» ورصد السرعة كان هناك تذمر من آلية رصد المخالفات، إلا أنه مع الوقت أصبح «ربط الحزام» عادة إيجابية يمارسها الكثير فور ركوب مركباتهم. بل تعدى الأمر لأفضل من ذلك، فعدد الوفيات والإصابات التي كنا نعانيها بشكل يومي انخفض بشكل كبير، وصانت تلك الأنظمة والقوانين حياة الكثير من الشباب الجامح. إن أي مجتمع يسعى إلى التقدم، وإضافة رصيد أكبر في الجانب الأخلاقي والحضاري له، فعليه أن يصادر التعصب والمذاهب، وأن يتقبل الأفكار الجديدة، وأن ينمي ثقافة احترام الأنظمة والقوانين، وتقبل الاختلاف، وتباين وجهات النظر، وأن يعطي اهتماما واحتراما للشأن العام، وأن يكون له الدور الأكبر في الحفاظ على الممتلكات العامة، ثم تأني مهمة الاهتمام بالتعليم الجيد الذي يجب أن يشمل تعلم الآداب والفضائل والسلوكيات والأخلاقيات، وأن تكون العملية التعليمية قادرة على فتح آفاق العقول الصغيرة إلى مزيد من سعة الأفق والمعرفة والتجربة. إن معظم الأمور التي تم ذكرها هي تلك التي تفرق بين مجتمع واع ومتقدم ومجتمع ما زال يعاني وغير قادر على النهوض من عثراته أو وضع آماله وأحلامه على الطريق الصحيح.

خلال السنوات الخمس الماضية كان هناك قطار تغيير سريع يأخذ المجتمع إلى آفاق أفضل، وإلى مستقبل أجمل. كان التغيير سريعا، ولكنه كان مريحا، ولا سيما أنه اختزل المسافات والمعاناة التي كانت تشكل سلوكا مزعجا لنا مع أنظمة ولوائح قديمة، تجعل للروتين أولويته على مصالح البشر. تطور التعامل الإلكتروني، وأصبحت تلك الإجراءات التي كانت تأخذ أياما واشهرا، بل وسنوات، يتم الحصول عليها خلال دقائق من خلال الخدمات الذكية، وتم تعزيز أنظمة الرقابة وحماية المصالح العامة، لتحارب الفساد بقوة، فتتعزز الإنتاجية، ويتحسن الأداء ويقل الهدر، وتتفتح آفاق جديدة للشباب السعودي في القطاعين الحكومي والخاص، في محاولات دؤوبة لمحاربة البطالة، وتوفير فرص العمل الجيدة والعادلة، وتتطور أنظمة التعليم، لتصبح أكثر انفتاحا وتركيزا على الجانب التجريبي والعملي، بعد أن كانت تلقينا وحفظا، وانفتح السوق للتنافس، وتوفير الأفضل للمستفيدين، وحمايتهم من الاحتكار والخديعة.

ومع كل تغيير ستجد دائما تلك القلة التي قد تستمر في المقاومة والتذمر، وتركز بشكل كبير على الجوانب السلبية، من وجهة نظرهم، لكل قرار أو تنظيم، ولكن مع استمرار عجلة التغيير فكل مقاومة ستنكسر وتتراجع، وسيصبح المجتمع بكل أطيافه مشاركا في البحث عن المستقبل الأفضل للأبناء والأحفاد.

وأخيرا.. علينا جميعا بناء «الوازع الوطني» لدي الأجيال القادمة، ليكونوا درعا أمام كل تيارات التشكيك والشبهات والأفكار المناوئة.