ينظر كثيرون إلى مصطلح الإدارة الحديثة على أنه تأطير لعمليات إدارية تقليدية مدمجة مع التقنية الحديثة، ولكن القضية تعتبر أوسع من ذلك بكثير، فالإدارة الحديثة تمتلك عمقًا فكريًّا يمثل بعدًا جديدًا من أبعاد الاستراتيجية المؤسسية في عصر لم يعد من الممكن فيه أن نصم آذاننا أو نغلق أعيننا عن كل ما هو شائك في صياغة التشغيل الحديث.

إن السوق السعودي قد استفاد مبكرًا من عولمة الإدارة، فعلى بعد سنوات غادرتنا، كانت ميكنة الإدارة المؤسسية السعودية في كلا القطاعين قادرة على رسم خارطة طريق مفاهيمية واضحة لما تعنيه الإدارة الحديثة، وهذا بدوره أدى إلى كسر الهوة بين التقليدي والمبتكر، وأخرج كثير من الشركات من تحت عباءة ما تعلّمه جيل الآلة الكاتبة ورأى أن تغييره صعب، إلى إعادة صياغة فهم الجمهور الداخلي في المؤسسات حول كيف يمكن لنا أن ندير كما يدير العالم من حولنا.

لا شك بأن التحولاّت الرقمية في صناعة الإدارة الحديثة كانت هي البطل الأول الظاهر على الساحة، لكننا نخطئ كثيرًا عندما ننظر إلى الإدارة الحديثة على أنها قيمة تشغيلية تتطلب تدريبًا فقط، وقد يغفل بعضٌ منا البعد الآخر الأكثر أهمية للإدارة الحديثة والذي تمثله فسيفساء الأخلاق والمهنية والجودة والالتزام الإنساني والبيئي وهلم جرًّا من الأدبيات التي باتت تقدم للعالم المفهوم الواسع للإدارة الحديثة بعيدًا عن تسطيحها في إطار لوغاريتماتي تشغيلي قصير النظر.

هل مؤسساتنا باتت تدرك هذا التحوّل المفاهيمي الأكثر بعدًا؟ وهل يدرك جميع الرؤساء التنفيذيين في مؤسساتنا قيمة الالتزام بهذا التحول وأهمية جعله عنوانًا للمرحلة وصياغة أدوات على الأرض تجعل من قيمته العالية ركيزةً أساسية في إطار الممارسة اليومية؟

إننا لابد وأن ندرك جميعًا أن العالم الذي يتغير من حولنا لا يتغير أكاديميًا فقط، ولكن مؤسساتنا وشركاتنا مدعوة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى صياغة الرؤية السعودية للإدارة الحديثة بما يتناسب مع حجم وطبيعة وفكر السوق السعودي، وهذا بحد ذاته سيمكننا من إطلاق طاقات إدارية جديدة تعرف جيدًا إلى أين يجب أن تتجه في الإدارة.

الإدارة الحديثة جزء من عمل ورؤية وممارسات السوق السعودي، وهي حاضرة بقوة منذ سنوات، وهي تتطلب مزيد من التأطير محليًا لتكون خارطة طريق واضحة وصريحة يمكن للمؤسسات جميعها الالتزام بها لرفع معايير جودة السوق السعودي ومقاييس الأداء فيه، وهذا بدوره سيؤسس لنجاحات جديدة في قطاعات الاقتصاد السعودي المتنوعة، وسيجعل المملكة قادرة على وضع لمستها الخاصة في عالم الإدارة الحديثة.