في ساعة من ساعات الاستجابة وحيث الأكف مرفوعة بالدعاء والأعين ساحّة بالدموع والألسن تلهج بذكر الله وتسبيحه من يوم الجمعة الموافق 26 المحرم لعام 1443 للهجرة، صعدت الروح الطاهرة إلى بارئها من الجسد الطاهر الصابــر لحماد بن سليمان الشبيلي، جعلها الله ساعة مباركة عليه، أوت فيها روحه إلى الرب الرحيم كما يأوي الحبيب إلى حبيبه، وأحتسب عند الله أن يكون راضيًا عنه بما ابتلاه به من مرض وما أنعم عليه به من حسن الخلق بين عباده؛ فاللَّـهم أحسن وفادته عليك وأكرم قدومه إليك وجازه بفيوضات عفوك وشآبيب رحمتك وحسن تجاوزك فكم يا رب من عبادك من يشهد له عندك بكريم السجايا وجميل الخصال وطيب العشرة وحسن الخلق.

عرفته وخالطته منذ ثلاثين عامًا فما رأيت مثله في لين عريكته وجميل حديثه في ظرافة وتواضع وبساطة ولا تلقاه إلا هاشًا باشًا يظن الذي يلقاه كأنه لا يعرف غيره ولا يحب سواه.

ألا ما أسعد من أكرمه الله بحسن الخلق بقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى الترمذي من حديث جابر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا».

وقد قال المتنبي:

لا خَيْلَ عِندَكَ تُهْديهَا وَلا مالُ * * * فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ

وإذا نظرت إلى الألوان البديعة من أخلاقه قُلت ما أحسَنها وأسهلها فإذا رُمت أن يكون لك مثلها بين الناس شقَّت عليك وثقلت وإذا بها السهل الممتنع، فعرفت حينئذ أن حُسن الخلق مَرْقاه صعبٌ لا يصبر عليه إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.

لقد أمضى ردحًا من عمره في خدمة أجهزة الدولة، وكانوا موضع الثقة والتقدير وأبلوا مع ولاة أمرنا البلاء الحسن.

رزقه الله بابنة عمه قماشة بنت مقبل الشبيلي زوجة فكانت له نعم الرفيق والأنيس، فلما توفاها الله -رحمها الله- فقدها فقد الحبيب لحبيبه والأليف لأليفه، ولكنها تركت له من بعدها ابنتين صالحتين هما مها وسارة، فكانتا له نعم الخلف والعوض فقامتا عليه بالرعاية والخدمة وحسن الصحبة بما هو مضرب المثل في البر والإحسان وتركتا لأجله متاع الدنيا وزينتها وبهرجها وملذاتها وأنسها وأسواقها وكل حظوظ النفس فيها وقسمتا اليوم والليلة بينهما فلا يكاد يبعد عن عيونهما لحظة واحدة فَـلِلَّـه هما ومن رباهما وجزاهما الله خير ما يجزي به عبدًا صالحًا وعوضهما خيرًا وبارك لهما فيما بقي من أعمارهما وجبر مصابهما وأحسن عزاءهما.

وإنما أسوق ما شهدته ورأيته ليكون ذلك نورًا وهداية للسالكين وقدوة حسنة للمقتدين فبهم اقتدوا.

اللهم ارحم حمادًا واغفر له وتجاوز عنه وعافه واعف عنه وأكرم نزلهُ ووسع مدخلهُ واغسلهُ بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كم يُـنقى الأبيض من الدنس وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنة واكتب له أجر المبطون من حظوظ الشهداء عندك وأجبر مصابنا فيه.