«البيانات من أجل عالم أفضل» تصدر هذا العنوان التقرير الرئيس الصادر عن مجموعة البنك الدولي عن التنمية في العالم لـ2021.

وقد استهل التقرير عرضه بأن البيانات أصبحت تنمو بمعدل لم يسبق له مثيل، وأنها جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية لمعظم الناس في كل مكان، ولكن ما أهمية ذلك لأكثر من 700 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع؟، وهل يُحسِّن من حياتهم ذلك الانفجار في البيانات بأنواعها واستخداماتها الجديدة؟ أم إن الفقراء، كانوا أفرادا أم بلدانا، سيتخلفون عن الركب؟؛ لتنشأ بذلك فجوة تزداد اتساعا بين من يجنون ثمار ذلك العالم الجديد الذي تقوده البيانات، وبين من يُحرمون منها.

أحدثت البيانات ثورة معلوماتية تمس جميع الجوانب الخاصة بالمجتمع والاقتصاد، بيد أن هذه التحولات لا تحدث فجأة ولا تكون تلقائية. كما أنها لن تُحدِث تغييرا في حياة المجتمعات، سواء في تحسين مستوى الرفاه الاجتماعي أو تعزيز النواتج الاجتماعية والاقتصادية، إلا إذا استخدمت البيانات استخداما منهجيا بأساليب تولد المعلومات التي تستحدث رؤى من شأنها أن تحسن حياة الناس.

يهدف التقرير الدولي إلى الإجابة عن سؤالين أساسيين؛ أولا: كيف يتسنى للبيانات أن تنهض بالتنمية على نحو أفضل؟، وثانيا: ما هي الترتيبات الخاصة اللازم توافرها في حوكمة البيانات، لدعم توليد البيانات، واستخدامها بطريقة آمنة وأخلاقية مأمونة، في ظل تحقيق قيمة عادلة ومنصفة للجميع؟.

يستهدف التقرير، في رسالته التنموية، توضيح مفهوم أن مجرد جمع المزيد من البيانات ليس هو الحل، لأن هناك نقصا ملحوظا في البيانات، ولا سيما في الدول الفقيرة. ولذلك، فإن التقرير يستهدف تحويل التركيز نحو استخدام البيانات بشكل أكثر فعالية لتحسين نواتج التنمية، ولا سيما للفقراء في البلدان الفقيرة.

يربط التقرير البيانات بالتنمية من خلال ثلاثة مسارات رئيسة:

1. استخدام الحكومات والمنظمات الدولية البيانات في دعم عملية وضع السياسات القائمة على الأدلة.

2. استخدام البيانات من جانب المجتمع المدني في رصد تأثير السياسات الحكومية بالقطاعات المختلفة، ومدى قدرتها على تمكين الأفراد من رصد الخدمات العامة والتجارية، والتمكن من الحصول عليها.

3. استخدام البيانات من جانب الشركات الخاصة في العملية الإنتاجية، بما يعزز من نموها، ويسهم في زيادة النمو الاقتصادي.

ومن دواعي الاهتمام بتلك المسارات الثلاثة في الاستفادة من البيانات واستخدامها هو إبراز أن البيانات لا تستطيع وحدها حل مشكلات التنمية، لأن الناس هم الأطراف المحورية الفاعلة في العملية التي تُحوِّل البيانات إلى معلومات مفيدة، تؤدي إلى فهم أوسع واستخدام أفضل، سواء على مستوى المجتمعات أو الحكومات أو الشركات. ولذلك، فإن البيانات تشكل مدخلا في الأهداف الإنمائية التي تتضمنها المسارات الثلاثة، لأن استخدام البيانات من أحد الأطراف لمرة واحدة لهدف معين لا يخفض من قيمتها، لأنه يمكن إعادة استخدامها في أغراض أخرى.

يتضمن التقرير كثيرا من التفاصيل والمؤشرات المهمة لأهمية البيانات واستخدامها، والتي تحتاج لأساليب وطرق متقدمة لقياس مصداقيتها وحقيقة فاعليتها، بما يخدم الأهداف التي وضعت من أجلها، ويحقق التطلعات التنموية المختلفة التي تستهدفها الدول في مساراتها التنموية، في ضوء إستراتيجياتها الوطنية، وما يتولد عنها من سياسات.

في ضوء ما تتضمنه التقرير من ملاحظات مهمة حول أهمية توافر البيانات واستخدامها، وأن الناس هم الأطراف المحورية في جميع مسارات التنمية بقطاعاتها المختلفة، نشير إلى المواقع الإلكترونية القائمة لمؤسساتنا الوطنية المختلفة، التي تُعد مرجعا رسميا في تقديم الخدمات، والإجابة عن الاستفسارات والإشكالات التي تواجه الفئة المستهدفة من تلك المواقع، إذ تعاني تلك المواقع الجمود والافتقار إلى كثير من البيانات الأساسية التي يهتم الباحث بالوصول إليها، أو يحتاج المستفيد للوصول إليها، بما تحويه من تفصيلات ومواد تتعلق باللوائح والأنظمة الخاصة بكل قطاع، علاوة على اختزالها كثيرا من البيانات المفتوحة - إن وجدت - بما يحد من فائدتها. كما أنه يعوزها التحديث المستمر وتطوير خدماتها المقدمة، بما يتوافق مع تطوير السياسات، وبما يخدم تطلعاتنا التنموية وأهدافنا الإستراتيجية.

بفضل من الله أنجزت المملكة مكانا متقدما في المجالات التنموية المختلفة، سواء في ترتيبها في مؤشرات التنمية البشرية أو مؤشرات التنافسية العالمية، وهي من الدول السباقة في تطبيق الحكومة الإلكترونية على المستوى الإقليمي، بل والعالمي، وفي أتمتة كثير من خدماتها الرسمية بهدف الارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة، وتيسير الوصول إليها من فئات المجتمع المختلفة، حتى أصبحنا نموذجا رائدا في تقديم الخدمات الإلكترونية، سواء عبر التطبيقات المعروفة أو من خلال المواقع الرسمية.

متابعة التطوير المستمر، والاهتمام بالتحديث المؤسسي الفعلي والتقني، مهم جدا لجودة العطاء، واستمرارية الإنجاز، والتميز المستهدف، والتفاعل الفوري من الخدمات الحكومية مع الفئات المستهدفة عبر المواقع الإلكترونية يحتاج لإنشاء أيقونات فاعلة وثرية بالبيانات المطلوبة. كما يحتاج لصندوق إجابات واضحة ومبسطة لاستفسارات متكررة من المستفيدين، يتم تحديثها والبناء عليها بصفة مستمرة. كما يحتاج لوجود صندوق للشكاوى أو الاستفسارات المستجدة التي لا تجد إجابات لها، وتتم متابعة ذلك بصفة مستمرة وآنية، وذلك بعد أن أثبت «الشات الآلي» الموجود في المواقع عدم جدواه، وعدم فائدته إطلاقا.

التفاعل مع الناس الذين يمثلون محاور التنمية الرئيسة، وتطوير التواصل معهم، لرصد آثار السياسات المتبعة والخدمات القائمة؛ يُسهم في تحسين مستواها والارتقاء بأدائها، بما يتوافق مع تطلعاتنا التنموية ومكانتنا الدولية.