تحتفل المملكة العربية السعودية بعد أيام قليلة بذكرى توحيدها على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والذي كان يؤمن بأن التعليم هو الطريق لإحداث نهضة حضارية في شبه الجزيرة العربية وتحويل شعوبها من ضيق الأمية إلى شمس التعليم. ومن صور اهتمام الملك عبدالعزيز ببناء الإنسان وتطوير قدراته من خلال التعليم إرسال البعثات الدراسية للخارج، وسوف نستعرض في هذه المقالة تفاصيل عن البعثات الدراسية إلى مصر في عهد الملك المؤسس كنموذج لجهود المملكة في التعليم.

قرر الملك إنشاء مديرية المعارف في رمضان عام 1344 الموافق 1926 أي بعد دخول الحجاز بأقل من عام واحد وقبل توحيد بقية مناطق المملكة وتسميتها المملكة العربية السعودية. وعيّن الملك، الشيخ صالح شطا مديرًا للمعارف بمكة المكرمة وهي نواة وزارة التعليم في الوقت الحالي.

وبعد انطلاق مديرية المعارف بدأ تفكير الملك بإرسال بعثات خارجية للمواطنين في مؤسسات التعليم في الدول المتقدمة. وينقل الدكتور المؤرخ محمد السلمان عن الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري، أن ثلاثة مواطنين من أصحاب الثقافة الواسعة وهم عبدالوهاب آشي ومحمد العامودي ومحمد بياري اقترحوا على الملك عبدالعزيز فتح الابتعاث للخارج في التخصصات العلمية التي لا تتوفر في المملكة، فتم تكوين لجنة علمية لدراسة المقترح وتم الموافقة عليه ومن ثم وافق الملك عبدالعزيز على فتح الابتعاث الخارجي، وكانت أول بعثة دراسية للخارج عام 1346 هجريًا الموافق 1927 للميلاد.

وكانت مؤسسة التعليم المصرية هي الخيار الأول والوجهة الرئيسة للبعثات السعودية في عهد الملك عبدالعزيز بشكل عام، حيث كانت مصر متطورة في جميع المناشط الحضرية خاصة في التعليم في العهد الملكي. وكما ذكرنا أن اول بعثة دراسية رسمية كانت عام 1346 وكانت إلى مصر، وبلغ عدد الطلاب المبتعثين 14 طالبًا، ومن الجيد تخليد أسمائهم كونهم أوائل من درس التعليم الحديث في الخارج وهم أحمد قاضي، عمر قاضي، فؤاد وفا، عبدالله ناظر، أحمد العربي، ولي الدين أسعد، محمد شطا، صالح الخطيب، حمزة قابل، عمر نصيف، عبدالمجيد متبولي، محمد باحنشل، عبدالله باحنشل، وإبراهيم محيي الدين حكيم. وقد تم إرسال الطلاب المذكورة أسمائهم لإكمال دراساتهم العليا في تخصصات مختلفة، منها القضاء الشرعي، الزراعة والطب والميكانيكا. وقد كانت التكلفة السنوية لهذه البعثة 1600 جنيه مصري، إضافة إلى 100 جنيه لكل مبتعث تصرف من قبل الحكومة لتشجيع الطلبة على الاستمرار في الدراسة. وقد نجح هؤلاء المبتعثون في العودة من مصر ما بين عامي 1354 إلى 1358 للهجرة وهم يحملون شهادات تعليمية عليا.

لكن مما عانى منه هؤلاء المبتعثون صعوبة الحصول على قبولات جامعية في مصر، خاصة أن التعليم لم يكن في حالة جيدة بعد في السعودية مقارنة بمصر في تلك الحقبة الزمنية، مما دعا الحكومة لافتتاح مدرسة تحضير البعثات في مكة المكرمة عام 1355 الموافق 1936 لإعداد الدارسين الطامحين للدراسة في الخارج خاصة لمصر تعليميًا وثقافيًا، وقد استنسخت المدرسة التحضيرية مناهج المرحلة الثانوية في مملكة مصر، إضافة للتوسع في المواد الدينية واللغة العربية.

وفي عام 1355 للهجرة تم إرسال البعثة التعليمية الثانية إلى مصر وهي مكونة من عشرة طلاب، وفي عام 1361 أرسلت البعثة الثالثة وكانت مكونة من 15 طالبًا من خريجي مدرسة تحضير البعثات. وبعد إرسال البعثة الثالثة بعامين تم إرسال البعثة الرابعة إلى المملكة المصرية وكانت البعثة التعليمية مكونة من 18 طالبًا. ونتيجة لكثرة أعداد الطلاب المبتعثين لمصر فضلاً عن قيام عدد من الأسر بإرسال أبنائها للدراسة في الكليات المصرية أنشأت مديرية المعارف -وهي المسؤولة عن الطلبة المبتعثين- إدارة تابعة لها في القاهرة لمتابعة الطلاب السعوديين والإشراف على تعليمهم، تم تسمية الإدارة بـ(دار البعثات العلمية السعودية). ينبه إلى أنه كانت بعثات سعودية في ثلاثينات القرن الميلادي المنصرم لجامعات لبنان وأوروبا، لكن يهمنا في هذا الموضوع الابتعاث إلى مصر.

وواصلت أعداد الطلاب السعوديين في مصر التزايد في أربعينات القرن الماضي الميلادي، ووفقًا لإحصائية منشورة في جريدة أم القرى نقلها المؤرخ السلمان في إحدى كتبه تاريخ التعليم أن مجموع الطلاب السعوديين في مصر عام 1950 بلغ 192 متعلمًا يدرسون في جامعات الأزهر وجامعة فؤاد الأول التي تسمى جامعة القاهرة في الوقت الحالي، وكلية فيكتوريا والتي أصبح مسماها جامعة الإسكندرية. كانت هذه صفحة من مجلدات تثبت اهتمام المملكة في التعليم عن طريق التعليم. وكل عام ووطني بخير.