البيوت أسرار كما يقال، لكن هناك مشاكل لا يجب أن تبقى مهملة مغيبة، على الأقل بين أفراد الأسرة نفسها، وإذا لم يتم الالتفات لها والتعامل معها بمسؤولية وإقناع فإن خللا سيصيب ذاك البيت -لا سمح الله- بالتشتت والانهيار، وتبرز الاعتلالات النفسية من أهم المشكلات التي تؤرق البيوت، خاصة التغاضي عن العلاج في المصحات النفسية التي وفرتها حكومتنا أيدها الله.. وتتفاقم الأخطار عند من يعتقد أن مراجعة الصحة النفسية عيب وإضرار بالسمعة.

فكم رب أسرة أو أحد أفرادها يعاني من حيث لا يدري مرض الاكتئاب أو الوسواس القهري أو الاضطراب، وغيره من أمراض العصر، فنجده يتسلط على أسرته أو جيرانه أو أصدقائه ويمطرهم بكآبته وتعقيداته وتصرفاته المشينة وبخله وعزلته، بينما هو مريض يستحق الشفقة والمساعدة لو أقنعناه مراجعة طبيب نفسي.

ومن المسكوت عنه في بعض البيوت حرمان المرأة من حقوقها في الميراث الذي فرضه الله سبحانه وتعالى، ويقوم عرف جاهلي بإجبار المرأة تلميحا أو تصريحا على التنازل عن حقها أو أن تعطى الفتات وتُرفع لها راية بيضاء لا تسمن أو تغني من جوع.

وقد حذر دعاة وكتاب من هذه الظلم العظيم للشقيقات أو الأمهات وحرمانهن مما تركه الآباء، وكان أخر من دعا إلى إيجاد حلول جذرية الأخ تركي بن يحيى السرحاني قبل شهرين في صحيفة الوطن، ومن المسكو ت عنه في البيوت هدايا المشاعر الجافة والباردة برود وجفاف باقات الورود وصحون الحلوى.

تقول شقيقتي أصابت الدهشة إحدى صديقاتها حين وجدت صحن حلوى ضمن هدايا من زاروها ذات مساء، وقد عاد إليها بعد ثمانية شهور، وإذا هو نفس الصحن بعلامة مميزة تعرفها.. ووسط تعالي الضحكات تبين أن الصحن المسكين دار في كثير من المنازل وتقاذفته الأيادي ليعود بمحض الصدفة إلى صاحبته الأولى.

ومن المسكوت عنه في بعض منازلنا غياب دور المطبخ إذ أصبحت الوجبات الجاهزة والسريعة تتصدر موائدنا رغم تحذيرات الأطباء، وتناسينا أن طبخ البيت فيه بركة وصحة ونظافة وستر من العيون، وهناك ظواهر كثيرة مسكوت عنها، منها عدم الادخار وهو ليس حفظ المال وإنما إنفاقه بحكمة، وكذلك عدم الاهتمام بالهوايات للناشئة مثل الرسم والقراءة والعمل داخل المنزل، وممارسة الرياضة والخدمة الاجتماعية والمساعدة لمن يحتاجها من الجيران وكبار السن وعابري السبيل، وحثهم على عدم تصديق الشائعات والأخبار الكاذبة وأن القدوة الصحيحة لهم من أبناء وبنات الوطن المبدعين والمتفوقين في جميع النشاطات التي تعود بالخير على بلادنا الحبيبة.

أليس من الحكمة الآن وليس غدا أن نبدأ مكافحة هذه السلبيات وتطبيق الإيجابيات في مسيرة حياتنا، ونكون من المتصالحين مع نفوسنا. يقول ابن القيم: الحكمة هي فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي.