يحمل مسلمو الهند كمسلمي مختلف نواحي العالم حضارة إسلامية صبغت بنظام الفكر والاجتماع بطابع خاص ولون مميز، يتجلى هذا الطابع في جميع نواحي حياتهم اليومية. ولا يستثنى المسلمون الهنود أيضا من هذا المبدأ العام، فإن حضارتهم التي ترعرعت في عدة قرون، مزيج من التأثير الهندي الإسلامي.

لقد شكل المسلمون في الهند وحدة حضارية لها شخصية مستقلة استمدت مكوناتها من التراث العربي الأصيل ومن الحضارة الهندية العتيقة. كان لهم نشاط ملموس في جميع مجالات الحياة الهندية كما كان لهم إسهامات جليلة في إثراء التراث العربي الإسلامي. نهض من أرض الهند على مر العصور أدباء وشعراء عرفوا بفصاحة اللسان العربي المبين، وخرج منها صفوة من العلماء ولفيف من رجال الفكر والقلم الذين قاموا بدور بارز في مجال التصنيف والتأليف وتركوا آثارا خالدة، لا يسوغ لمؤرخ تاريخ الأدب العربي والثقافة العربية الإسلامية أن يغض البصر عنها ويبخس حقها.

إن مجرد تأثير حضارة في حضارة وعدم تأثيرها بها حادثة يندر نظيرها في تاريخ العالم، فإنه لا يطابق فطرة الإنسان والمصلحة، وتعترف الحياة الإنسانية بالمبادئ النبيلة للأخذ والعطاء، وفي ذلك يكمن سر تقدمها وارتقائها وسعتها وتنوعها.

تلقت الأمة الإسلامية الهندية الفروسية التركية، وقوة الإرادة المغولية، والنحوة الأفغانية، والطبيعة الإيرانية المرحة القلقة الهائمة بالجمال والخيال، كما تلقت جدية العرب مع طبيعة البلاد وأبنائها الرقيقة الوادعة، تلقت الولوع بالفلسفة والتصوف، سيطرت على جميع هذه العناصر والعوامل عقيدة التوحيد النقية وتعاليم الإسلام السمحة، فنشأت من كل ذلك حضارة جديدة تستحق أن تسمى «الحضارة الإسلامية الهندية».

لقد أتحفت الهند وتراثها الحضاري للمسلمين بهدايا ثمينة لا تنفك عن الحضارة الإسلامية الهندية، وأنها ملك يفتخر به ولا نجد له نظيرا في الدول الإسلامية الأخرى، وهي مقاومة مسلمي الهند لتيارات الحضارات الغربية، وصمودهم في وجه غزوها العدواني بنجاح وقوة، وحفظهم لكيانهم وشخصيتهم الممتازة، وتفكيرهم العميق وتصوفهم، وكل ذلك نتيجة مختلف العوامل الاجتماعية والفكرية والحضارية التي ظلت تستمر جذورها في هذه البلاد منذ قرون، فوضعوا أساسا لحضارة هندية إسلامية بديعة، وأوجدوا طبيعة كانت عصارة الحضارة الإسلامية العالمية والحضارة الهندية وفلسفتها في وقت واحد. أسهم المسلمون في تكوين الهند وحدة سياسية واحدة ومتكاملة مما يزيد فخرا واعتزازا بأن الهند وما فيها من العجائب والطوائف حلّت محل التقدير والإعجاب.

لقد أبدع علماء الهند المسلمين في رفد المعرفة الإنسانية بأصناف متنوعة من المعارف والعلوم والآداب، وكان لهم نصيب وافر في تدوين المعرفة والفنون التي تعكس حالة التطور والتقدم العلمي في الهند في عصر دول المسلمين. ولا غرو في أن مسلمي الهند قد شيدوا مئات المكتبات التي توجد فيها ذخائر كبيرة من الكتب وجداول وقوائم خاصة بالمطبوعات العربية في علوم الحديث والتفسير والفقه والطب والمنطق والكيمياء والفيزياء والهيئة والتاريخ والجغرافيا والمؤلفات العربية التي أصدرتها هذه المعاهد على الموضوعات المختلفة هي مهوى الأفئدة ومحط الأبصار لدى العلماء والباحثين في مشارق الأرض ومغاربها.