الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، حيث إن فطرته تحتم عليه الاجتماع والاختلاط بالآخرين، ولن يستطيع أن يعيش حياة طبيعية سليمة تملؤها السعادة والثقة بالنفس دون أن يتكيف اجتماعيا، ويوصف التكيف الاجتماعي بأنه عملية التلاؤم والانسجام مع المجتمع المنتمي إليه الشخص، والتكيف مع المجتمع يعني كذلك قدرة الفرد على التجاوب مع الآخرين وقبولهم، وشعوره بالسعادة والراحة النفسية في وسط تلك الجماعة.

ويعتمد التكيف الاجتماعي على عدد من العوامل المهمة في علاقات الإنسان الاجتماعية المختلفة، من أهمها أن تتسم علاقاته مع الآخرين بالثقة المتبادلة والاحترام والتقدير، العلاقات المتميزة لا تبنى على الخلافات والشكوك والأنانية، كما أن المجتمع المحيط بالإنسان من أهم أسباب نجاح العلاقات المميزة، في حال استطاع الشخص أن يتكيف مع من حوله، معتمدا في ذلك على سلامة الصدر وطيب النفس وتجسيد الوعي المتبادل في العلاقات مع الآخرين، وإدراك ما يجري حوله من أحداث وأفكار ومشاعر والقيام بالسلوكيات الناجحة المبنية على أساس الثقة والاحترام المتبادل.

وقد أثار انتباهي حول موضوع التكيف الاجتماعي وجود عدد كبير من الدراسات البحثية باللغة الإنجليزية، والتي تؤكد أن العلاقات الاجتماعية الناجحة المبنية على الثقة والمحبة والتقدير هي الجوهر الأساسي لتكيف الإنسان اجتماعيا، وقد أوضحت دراسة أجرتها «جامعة هارفارد (Harvard)»، تُدعى «دراسة جرانت في التكيف الاجتماعي (Grant Study of Social Adjustment) أن العلاقات الاجتماعية لها أثرها على متوسط عمر الإنسان.

وتقول الدراسة، طويلة المدى، إن لعلاقات الإنسان الاجتماعية أثرا كبيرا في حياته على مدى العمر الذي يعيشه، فمن يتمتع بعلاقات اجتماعية إيجابية ينعم بصحة أفضل، ويعيش حياة أكثر سعادة، ومن لا يحظى بمثل هذه العلاقات، ويعيش حياة فردية مغلقة، يعاني سموما غير منظورة تضر بصحته، ويعيش حياة تتسم بالكآبة.

وتشمل العلاقات الاجتماعية هنا العلاقات الأسرية وعلاقات الصداقة والعلاقات المهنية، وعلاقات الأعمال، والعلاقات المختلفة مع الآخرين، ولا يعتمد تميز العلاقات الاجتماعية على التوافق الكامل والاتفاق في الرأي دون أي خلافات، بل يعتمد على المحبة والثقة المتبادلة، فقد تكون هناك خلافات في أي علاقات ناجحة، لكن إدارة هذه الخلافات في «بيئة من المحبة والثقة» تذيب أي أثر سلبي لها.

وتوضح بعض الدراسات الأخرى أن أكثر مراحل التكيف الاجتماعي تعقيدا هي مرحلة سن المراهقة لما يعتريها من تغيرات متسارعة في جميع الاتجاهات، ولهذا فإنه من الضروري الاهتمام بهذه الفئة الغالية، ومنحهم مساحة كافية من التقبل والتفاهم المميز والتشجيع، وزرع الثقة في أنفسهم وتدريبهم وتربيتهم على تقبل الآخر وحسن التعامل مع جميع أفراد المجتمع، ولعلنا نتذكر دائما قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».