الخطوة تأتي أيضا في سياق التوجه الحكومي نحو التحول الرقمي والاعتماد على أدوات التقنية الحديثة ووسائل الذكاء الاصطناعي في توفير الإحصاءات الدقيقة والأرقام الحقيقية لمجالات الاقتصاد كافة، وهي مفردات لا غنى عنها لإنجاز أي تخطيط سليم يستهدف تحقيق نتائج معينة في آجال محددة، فالخطط التنموية لا يمكن أن تحقق أهدافها ما لم تكن مبنية على معطيات واقعية ومعلومات فعلية تتضمن نسب الدخل ومقدار التكلفة وكافة البيانات المشابهة.
خلال الفترة الماضية كانت هناك صعوبات كثيرة في معرفة مقدار الناتج المحلي الإجمالي بسبب انتشار آفة التستر التجاري، التي يؤكد الخبراء والمختصون أنها تحرم الاقتصاد السعودي من حوالي 350 مليار ريال سنوياً في مختلف المجالات، وهي مبالغ هائلة كان يمكن أن تحقق المزيد من الازدهار والتنمية لو أعيد ضخها في القطاعات الإنتاجية لزيادة القدرة الشرائية، وإيجاد الآلاف من فرص العمل التي كان يمكن أن تضع حدا لكابوس البطالة.
ولا تقتصر الآثار السالبة للتستر على مجرد الخسائر المادية المباشرة، فبالإضافة إلى أنه يشكل كيانا موازيا للاقتصاد الوطني، فإنه يتسبب أيضا في ظهور جرائم أخرى ترتبط به ارتباطا وثيقا، مثل غسل الأموال، وتغييب الشفافية عن حركة النقد، مما يمكن أن يؤدي لتسربه إلى مجاميع التطرف، وإعاقة جهود تجفيف منابع تمويل الإرهاب، حيث إن النصيب الأكبر من مصادر تمويل تلك المنظمات يأتي من أموال مجهولة المصدر.
من المكاسب التي سوف تترتب أيضا على مشروع الفوترة الإلكترونية، إضافة إلى ضمان تحصيل الضرائب والزكوات كافة، تعزيز جهود الحوكمة والمؤسسية، وهو ما يسهم في إيجاد مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية وتعزيز المكانة المالية للمملكة، كما أن النظام الجديد سوف يدعم مؤسسات القطاع الخاص، ويرفع كفاءتها ويقلل تكاليفها عبر تنظيم أعمالها المحاسبية.
وكان لافتا ذلك التدرج في تطبيق المشروع، فخلال الفترة المقبلة سوف تكثف الدعاية الإعلامية للنظام وزيادة إلمام المستهدفين بكل تفاصيله، ومن ثم يبدأ تطبيق المرحلة الأولى على المكلفين في الرابع من ديسمبر المقبل، يكون التركيز فيها على كيفية إصدار وحفظ الفواتير الضريبية والإشعارات المدينة والدائنة إلكترونيا.
بعد 30 يوما تبدأ المرحلة الثانية لترسيخ التكامل بين الأنظمة الإلكترونية للمكلفين وبين أنظمة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وهذا التدرج سوف يسمح بالتأكيد للمستفيدين كافة، بالإلمام التام بكل جوانب المشروع، مع العلم بأنها موجودة الآن على الموقع الإلكتروني للهيئة.
في ظل هذه المعالجات المدروسة يمكن القول باطمئنان إن التشوهات في البنية الاقتصادية التي كانت قائمة خلال الفترة الماضية، سوف تزول في القريب العاجل، ولن يكون هناك مجال لمن اعتادوا السماح للآخرين بإجهاض الخطط التنموية مقابل مبلغ مالي زهيد يحصلون عليه بطرق غير نظامية ممن انتشروا في جسد الاقتصاد كما السرطان.