يحكى أن من أعز أصدقاء جنكيز خان صقره! الصقر الذي يلازم ذراعه، فيخرج به ويرسله على فريسته ليأكل منها ويعطيه ما يكفيه، خرج جنكيز ذات يوم إلى الخلاء وحده، ولم يكن معه إلا صديقه الصقر، وانقطع بهما المسير وعطشا، فوجد جنكيز ينبوعا أسفل الجبل فملأ كوبه، وحينما أراد أن يشرب جاء الصقر وانقض على الكوب فسكبه! وكرر هذا الفعل ثلاث مرات، فاستشاط غضبا منه جنكيز وأخرج سيفه وحينما اقترب الصقر ليسكب الماء ضربه فقطع رأسه! أحس بالألم يئن بداخله لما رأى الصقر يسيل دمه على الأرض، ووقف للحظة وصعد فوق الينبوع ليرى بركة كبيرة يخرج من ثنايا صخرها منبع الينبوع وفيه حية كبيرة ميتة وقد ملأت البركة بالسمّ، بعدها أدرك جنكيز لماذا كان صاحبه حريص على منعه من شرب الماء المسموم، لكن الغضب سيطر عليه وأعمى قلبه وبصره ولم يدرك ما فعل إلا بعد فوات الأوان!

الغضب نوع من أنواع المشاعر السلبية لدى الإنسان، وهو انفعالات تنتج سلوكيات وتصرفات غير لائقة وغير مهذبة، ففي خضم الحياة تؤلمنا صفعات وتوجعنا إساءات، لكن التعبير الصحيح يبقى شعورا راقيا يفتقده البعض.

الغضب كالعاصفة القوية تدمر ما حولها، والإنسان في حالة الغضب يصبح إنسانا متهورا ومندفعا وأكثر جرأة، يجني الندم وأحيانا الحسرة على كلمة أو تصرف أبداه وقت انفعاله، قد يدمر أو يقتل أو يحطم ما نذر له الإنسان سنين عمره، والقصص في ذلك لا تعد ولا تحصى، فإذا كانت هذه المتلازمات التي تلازم تلك الصفة ألا يستحق منا النظر في كيفية التصرف حيال هذا الشعور المدمر!

يستند أنموذج جولمان 1995 إلى أن الذكاء العاطفي له خمسة عناصر أساسية، ومتى ما تواجدت هذه العناصر الخمسة لدى الإنسان أصبحت فرصة نجاحه أكثر من غيره، ومن أعمدة الذكاء العاطفي الأساسية هي إدارة العواطف أو ضبط الذات، وعرفها في كتابه –الذكاء العاطفي- على أنها القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين، والسيطرة على حالتنا النفسية حتى نشعر أننا في حالة نفسية أفضل.

من الجميل فهم التدفقات العاطفية التي ينتجها الغضب، ومعرفة آلية التحكم بذلك، والانسحاب من الموقف مباشرة قبل أن يتضخم وينفجر كالقنبلة، بالإضافة إلى التأني والحلم، واستيعاب الموقف لتحمل الكلمات والعبارات اتزانا كاملا واحتراما، فالتعبير والتنفيس عن الغضب بالطريقة الصحيحة سبيل نجاة، لأن الجسد لا يستطيع حمل هذا الثقل داخليا وإلا سيصرفه على هيئة أمراض خارجية ليخفف من وطئه من الداخل.