يرى المهتمون بفن الكتابة أن الإبداع القصصي هو تلك المعتلجة بفيض المشاعر الإنسانية، والتي لا يمكن أن نحصل عليها بوفرة في السكال الإبداعية الأخرى، على الصعيد الكتابي وبالطبع فهم ببداهة بعنوان بالقصة «الحكاية ذات الخصائص المتجاوزة، والتي لا تؤطر بنمطية الحكي.. سواء أكانت قصيرة، طويلة أم رواية».

وإذا كانت هناك فروق تحجيمية.. فإن لها تفاصيلها ودروبها. وإذا كنا لا نزال- محليا- نحشد مفاهيمنا القشورية، ونعتبرها الحكم النهائي، وبعرض نزق حول شكل النص.. فهذا لا يعني إلا أننا لا نزال نتعلم، ونتعامل معها بتعال فيه رفع الشعار وفيه المراهقية الخاوية.

إن الواضح في ساحتنا.. أن بعضاً ممن يكتبون، وأسميهم «المراهقين».. أصبحوا ينظرون أكثر مما يكتبون ويجربون، ويصدرون الوصايا، ولا أسميها «وجهات نظر» أو «رأياً».. إنها، أقوال جاهزة تتناقلها المجالس. هؤلاء لم يجربوا بعد مغامرات وتجارب الكتابة. وإنما ينظرون إلى هذا الفن بسهولة.. بمقياس نزقي طفولي شجاري.

هنا، أرغب توضيح أمر قد يكون خطيرا.. ذلك هو: إعطاء أمثال هؤلاء مساحة بالاستماع من قبل بعض الزملاء أصحاب التجربة.

من جانب آخر.. فهم قليلون ومحدودو النتاج والتجربة، وخطورتهم في تشويه الخطى القادمة أو تقييمها بمنظارهم القشوري.

فالقصة ليست خطابا سياسيا ولا نصائح وتوصيات، وليست نصا مطعما بالشعرات الوطنية.

لا أريد أن أتحدث عن تلك الفرقعات البالونية، التي تتطفل على قوائم السنابل، ساحتنا تملك كتاب قصة أفذاذا، ولا يحتاج ذلك إلى تزكية أو شهادات، والقانون التاريخي هو الفيصل في الآخر.

لقد فرغنا من إشكالية الاستعراض الكتابي، وأصبحت نتاجاتنا تقيم إلى جانب الإبداع القصصي العربي سواء بسواء، بل والعالمي أيضا.. دون أن نتعمدها، فاذا أخذناها بالمقياس الزمني المدعم بمواصلة الإنتاج، أو بنوعية ذلك النتاج.. فإننا لن نحتاج إلى محامين وكراس للقضاء والتحكيم.

وإذا أخذناها بالقياس التأثيري الاجتماعي فالعيون شواهد.

إن الكاتب الذي يهب حواسه للأقوال النزقة.. لن يقدم عملا إلا ليرضى عنه الآخرون من أصحاب الآراء الجاهزة.

أقول فقط:

اخجلوا قليلا أيها المراهقون.. اصخبوا مع أنفسكم وتضوضؤوا كما يلذ لكم.. فالشامخون الذين علموكم.. يضحكون من ألعابكم الأرجوازية البهلوانية.

إن كاتبا فذا مثل جارالله الحميد أو محمد علوان أو سعد الدوسري من بعد، أو أميمة الخميس وآخرين- ليس هنا مجال ذكر كل الأسماء- لا يجوز لنا أن ننظر في أعمالهم ونحن لا نزال في مرحلة ما قبل وضع الخطوة الأولى.

بالطبع فالصحافة الثقافية.. تحب الإثارة، لكي تجد ما يعبئ الفراغ ويخلق الضوضاء. إن هؤلاء الأفذاذ يمكنهم بقليل من الالتفات، بعثرة أوراقكم القليلة جدا.. لكنهم يحرصون على تواصل الامتداد الإبداعي.. دون تثبيط لعزائمكم.

أيها المبتدئون.. تعلموا منهم كيف تكتبون، لا كيف تنظرون.

تعلموا- إن كنتم صادقين- كيف تضعون أقدامكم وتستفيدون لتفيدوا، لا لتناطحوا الجبال العالية.. فرؤوسكم لا تقاسي الصخور.. والفقاعات تتبعج من نفخة الهواء.

ألا ترون أنكم تحبون ذواتكم على حساب الإبداع الحقيقي، والمبدعون هم المنفقون.. إنهم لا يحتاجون للمديح ولا لتقديركم، لكنهم يقولون: رأفة بذواتكم، انظروا إلى الديكة الصغيرة كيف تتعلم الصيح.. إنها تمط رقابها حتى لتكاد تنزعها من أجسادها لكي تتعلم.. لا لكي ترتفع رؤوسها.

قلبي عليكم، ولا أريد التعميم.. فهناك الصادقون الذين يحترمون أقلامهم وأقوالهم.

1991*

* روائي وكاتب وصحافي سعودي «-1955 2000»