تفتأ النفس وتكاد أن تكون حرضًا وهي تعيش على ذكرى من تحب.. مؤلمة هذه الفانية حين نسيح فيها لا نعلم متى سنبقى أو أين ستكون النهاية..لكن الحياة مشروع أمل تتداوله النفس المفعمة بحب البقاء.. بالأمس مررت بأزمة صحية موجعة، كانت دقات قلبي المتسارعة أشبه بقنديل مضيء لطريق بعيد وجدت فيه صوت أمي كأنه ترياق شفاء حين قبعت لأسئلة طبيب التخدير لحياة سرمدية مليئة بالوهم.. لكن صوت أمي المليء بالحنان والعاطفة كان أقوى من كل البنج الذي سرى رويدا رويدا في جسدي حتى فقدت كل ما حولي.

أصبت بنوبة قلبية استدعت دخولي المستشفى ومع اشتداد الألم الذي اجتز قفصي الصدري، وكاد يحرقه لم أحبذ أن أكشف عنه للآخرين رغم جحيم ما أعانيه وأكتمه خفية لكي لا أتجرع ما هو أسوأ منه.. ولعمري فقد تكبدت الكثير من الأوجاع في مرحلة مبكرة كانت فيها أمي البصمة التي تشعرني بالعودة من جديد.. عاشت والدتي حياة البساطة في جنوب المملكة كانت لا تكل.. ولا تمل وهي تسعى جاهدة في كل وقت على تحفيزي رغم ما تعرضت له من انتكاسات كثيرة لكنها تطلبني أن أمحو كل الصفحات وأعيد كتابتها من جديد.

زرعت والدتي في دواخلي الشكيمة والعزيمة وعدم القنوط.. كنت أسقط وما لبثت أن أعود أقوى من ذي قبل، ورغم البساطة وشظف العيش وبعدي عنها.

كان صوتها يأتيني منقذًا لأعود من جديد.. فلقد علمتني الحياة أن أبقى لكن أمي علمتني كيف أمارس حياتي وأعيشها.. لأنها مصدر إلهام بالنسبة لي.

عشت خلال الأسابيع الماضية أصعب لحظات الوجع والألم من وتين قلبي وبقيت طريح الفراش ومن عادتي أن لا أشغل عزيزًا بمواجعي، فكل الناس مثقلة، وفي كل دواخلنا ما يكفي من شكوى وصوت لا يصل إلا بالرنين لقلب الأمومة وعاطفتها الجياشة حين شعرت هي بذلك، ولم يهنأ لها بال وهي تكرر الاتصالات وجوالي مغلق حتى تجاوزت رسائلها الصوتية عشرات المرات.. إلى أن أفقت من بنجي، واستطعت أن أهاتفها، وقد اغرورقت دموعي فرحا بصوتها البهي وهي تلوم وتعاتب اختفائي طوال تلكم الأيام، وقد خشيت أن أبوح لها بما أصابني رأفة بقلبها وروحها.. لعلي أكتب كل ذلك وأزفره من قلب عادت إليه دقاته ليعود من جديد ركضا في تفاصيل الدنيا وملكوتها.