قبل أن أقدم على خطوة التقاعد، كنت أتشاور مع المقربين مني وبعض المتقاعدين الذين سبقوني لهذه الخطوة، وكانت معظم النصائح التي تلقيتها تشير إلى الخلاصة التالية «لا تقاعد بدون برنامج». والمقصود بالبرنامج هو خطط وأنشطة عملية يمكن للمتقاعد عملها طوال اليوم للاستمتاع بيومه الطويل والاستفادة منه، وهذا بالطبع جعلني أفكر في مصدر هذه الخلاصة وسببها، ووجدت أن أغلبهم -وأقصد فئة قليلة من المتقاعدين- كان قرار التقاعـد لديهم غير مدروس والهدف منه هو الراحة من العمل مع احترامي لكل من تقاعـد وخطط لمشواره بشكل جيد والتزم، وهم الأغلبية بحول الله. كانت أغلب السلبيات التي بحثت عنها تشير إلى السهر ليلا، الجلوس في المنزل لفترات طويلة، النوم لفترة طويلة في النهار، مشاهـدة التلفاز لوقت طويل، التركيز عـلى سلبيات المنزل وانتقادها، زيادة الوزن بسبب قلة الحركة، وكانت جميعها عـادات فـراغ بسبب عـدم الانشغال ببرنامج معـد قبل التقاعد، والالتزام به حتى يكون النجاح حليف المخطط للبرنامج.

بالطبع فكرت في أن أقسم اليوم على فترات، يتم فيها عمل خطط وأنشطة والاستفادة منها للدنيا والآخـرة، ألا وهي ملخصة في الآتي،..

الفترة الأولى: الفجر هـذه الفترة التي يقوم فيها المسلم لصلاة الفجر، وهي أولى الصلوات المفروضة، وخير ما يبدأ به الإنسان يومه مع الله، وبأداء صلاة الفجر يكون المسلم حينها في ذمة الله حتى يمسي، وفي المداومة عليها بشارة بنور الله التام يوم القيامة، هذا بالإضافة إلى سنة الفجر والتي هي ركعتان خير من الدنيا وما فيها، وهي سنة فما بالكم بفريضة الفجر.


فترة الصباح في هذه الفترة التي تأتي في المرتبة الثانية يوميا بعد الفجر، يمكن للمتقاعد أن يشغل وقته بالتمارين الرياضية، قضاء حوائج ومستلزمات المنزل -خاصة فترة الصباح المريحة- المراجعات الطبية اللازمة - الاستمتاع بأجواء البحر الصباحية مع رفيقة دربه – المشاركة في أي عمل خيري – قضاء حوائج الناس والمقربين منه، أو كما يرى المتقاعد من نشاط يفيده في هـذه الفترة الطويلة، ويدخل على قلبه البهجة والسرور.

فترة الظهيرة غالبا ما تكون هذه الفترة بعـد صلاة الظهر، وهي فترة الغـداء والراحة، أو ما نسميها نحن بالقيلولة لاستعادة النشاط وتصفية الذهن لبقية اليوم، وهي فترة كنا نحن الموظفون محرومين منها؛ لما لها من تأثير واضح في إراحة الجسم والذهن لفترة بسيطة ومواصلة النشاط لبقية اليوم.

فترة ما بعد صلاة العصر وهي أكثر الفترات المحبوبة لدى المتقاعدين، حيث إن أغلبهم يمارسون فيها نشاطات رياضية مثل المشي والتعرض لأشعة الشمس المفيدة للجسم للحصول على فيتامين (د)، الذي يساعد في تنظيم الكالسيوم والحفاظ على مستويات الفوسفور في الدم، وهي معادن ضرورية لصحة العظام في هـذا السن، وقد يرى البعض نشاطات مختلفة تناسبه في هذا الوقت الجميل وتناسب سنه التقاعدي وهي خيارات مطروحة.

فترة ما بعد صلاة المغرب هذه الفترة من الفترات التي تستحق فيها التقرب إلى الله وقضاء بعض الوقت إذا لم يكن أغلبه إلى صلاة العشاء في المسجـد، حـيث الدروس الدينية وحلقات تحفيظ القرآن (حتى لكبار السن)، والاجتماع بجيران المسجـد وتقوية أواصر المحبة والجيرة الطيبة في هذا المكان الطاهر.

فترة ما بعد صلاة العشاء وهي من الفترات المقربة إلى قلبي؛ لأنها الفترة التي أجتمع فيها مع عائلتي، وأسمع منهم تقاريرهم اليومية، ونتناول فيها طعام العشاء ثم الاستمتاع بأكواب الشاي والحديث، مع مشاهدة إما المباريات أو برامج التلفاز، وهي في رأيي مهمة جـدا لتقوية الروابط الأسرية بين العائلة قبل موعـد الـنوم الـذي لا يتجـاوز الساعة الحادية عـشرة ليلا، وذلك للاستعداد ليوم جديد مليء بالنشاط والحيوية والتفاؤل.

وأختم مقالي هـذا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف الـذي ورد في فتح البارئ لـشرح صحيح البخاري، قال «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، رواه البخاري. وهو ما يعني أن كثيرا من الناس تخسر صحتها ووقت فراغها بدون فائدة، ولا يستغلون هاتين النعمتين فيما ينفعهم ويقربهم إلى الله، فإذا استثمرها المرء في طاعة الله، لا يقال له: مغبون، وإنما يغبط على ذلك الاستثمار.

كما قال الشاعر محمد حسن الهلالي:

الوقـتُ أغلى من اليـاقـوتِ والذهـبِ *** ونـحن نَـخســرهُ فـي اللهـوِ واللعـبِ

وسـوف نُســأل عـنـه عـنـد خـالقِـنـا *** يوم الحسـابِ بذاك المـوقـفِ النّشـِبِ