نحن اليوم أمام المئات من النسخ المختلفة للإسلام، والناتج عن اختلاف الآراء وتعددها، والتي تدعي الصوابية حقًا مقصورًا على رأيها، وتنسب الباطل لمن خالفها. والإسلام في خمسين سنة مضت على الأقل هو إسلام مختطف، وإسلام متحول، وكانت بدايات ذلك من اختطاف منبر الجمعة في أوائل السبعينيات الميلادية، ثم التعليم الديني الرسمي وغير الرسمي، ثم الفتوى، الأمر الذي أحدث تشوهًا ظاهرًا للفكر الديني بجوانبه المختلفة، من خلال تناوله لقضايا الحياة والكون والإنسان، وعلينا أولًا وقبل كل شيء، استعادة ذلك كله، لنستطيع تخليص المجتمع من شوائب وشبهات الإسلاموية. وما يثير الحنق والحزن معًا أن شعبوية الإسلام في نسخته السياسية، ربَّت أتباعها على ممارسة الاختطاف المضاد مع رموز الإسلام السياسي، الذين لو أرادوا التراجع عن بعض معايبهم لما استطاعوا، بسبب ضغط الجماهير.

«الإسلام هو الحل» شعار حزبي، فرضه تيار الإسلام السياسي لاستقطاب مشاعر عوام المسلمين، في مواجهة الأحزاب المدنية على اختلافها وتباينها، وهو هروب ناعم من المواجهة والمنافسة المعرفية، إلى الحلول الغيبية المريحة. هذا الشعار التعبوي والشعبوي، شعارٌ يميني محافظ في جوهره السياسي، كما أنّه خطاب عاطفي وحشدي، وهو في الوقت ذاته خطاب غامض، وغموضه كامن في أنّه بلا محددات معينة ظاهرة تقاس وتفحص، كما أنه لا يجيب عن إشكالياتٍ عديدة تهم الدولة والمجتمع والفرد، فهو لا يحدّد كيف يكون الإسلام هو الحل؟، ولا يعين المشكلات التي ستحلها نسختهم هذه من الإسلام؟

وكلما كان الشعار بدون أطر نظرية، ولا تطبيقاتٍ عملية وغير محدد المعالم، يكون أكثر قدرة على الحشد، وأكثر قدرة على جمع التوجهات المختلفة تحت مظلة واحدة، وهذا هو المقصود خلف هذا الشعار الغامض الفضفاض، التجميع والحشد تحت تعبير رمزي، دون مضمون واضح، وبذلك كان الشعار مظلة رمزية هدفها ضم كل ألوان الإسلام السياسي، وكل أشكال التدين، وحشدها خلف الجماعة لتحقيق الهدف والغاية.

غير أن للشعار دلالات في ذهنية دهاقنة الجماعة فحسب، فهو دلالة على أنه واجهة لقضية تطبيق الشريعة، أو تطبيق نظام الحكم الإسلاموي، أو الحكومة الإسلاموية، أو التوجيه الإسلاموي لسياسات الدولة، عبر استلامهم للحكم والسلطة، وفقًا لتوجه عام غير محدد المعالم أمام المجتمع، ثم تتم مفاجأة المجتمع لاحقًا بالتفاصيل المرة، التي تتبنى رأيًا واتجاهً أحاديًا فقط، بعد أن يتم تمكن الجماعة وتمكينها، وحينها لا يمكن التراجع، إلا بأثمان باهظة ومكلفة.

ظهر شعار «الإسلام هو الحل» بعد منتصف حقبة الثمانينيات «1987»، عندما تحالفت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، مع حزب العمل وحزب الأحرار المصريين، تحت قائمة واحدة للترشح لانتخابات البرلمان المصري «مجلس الشعب» في ذلك الوقت، لتكون هذه الانتخابات الإعلان الأوضح لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، في الساحة السياسية المصرية، كما أنه كان في الوقت ذاته إعلان ميلاد شعار «الإسلام هو الحل»، والذي رفعه هذا التحالف، ويعتبر عادل حسين هو أول من سك الشعار أثناء التحالف المذكور آنفًا، لخوض انتخابات مجلس الشعب، وعادل حسين «ت:2001» صحفي مصري وناشط سياسي معارض، انتقل من الماركسية إلى الإسلاموية، والذي انضم إلى حزب العمل الاشتراكي في العام 1984، ثم أعلن انتقاله إلى الإسلاموية، وقاد حوارًا مع شباب الإخوان المسلمين من العام 1985 حتى عام 1987، من أجل الوصول إلى التحالف الإسلامي، الذي خاض انتخابات 1987 البرلمانية «مجلس الشعب» بقائمة واحدة، حصلت على أكثر من 60 مقعدًا، وأطلق على «عادل حسين» لقب «مهندس التحالف الإسلامي»، والذي ضم حزب العمل وحزب الأحرار والإخوان المسلمين كما أسلفنا.

ومن ثم تم استخدام هذا الشعار، في كل الانتخابات اللاحقة بغرض استمالة الناخبين، وجذبهم تجاه مرشحي الجماعة، باعتبار أنهم يمثلون الإسلام، وجعلت من الشعار الأساس الذي تستند إليه، في استمالة عواطف البسطاء من الناس وكسبهم لصفها، باعتبار أن هذا الشعار السحري البسيط ينطوي على الحلول الناجعة لجميع المشاكل، التي تعاني منها المجتمعات المسلمة.

واستخدام جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية لشعار «الإسلام هو الحل»، هو استخدام شعاراتي يوحي في نهاية الأمر، بأنه عبارة عن عملية تزييف وخداع للناس، فهذه الأطروحة بمظاهرها المتعددة، سواء كانت عبر المؤسسات الدينية السنية، أو السلفية الجهادية، أو حتى عبر الإسلام السياسي الشيعي، تأخذ بمبدأ توسيع الفجوة بين الطرح الأيديولوجي الإسلاموي، والطلب العام المجتمعي، الذي يسعى إلى تعزيز الهوية الفردية، وحقها في العيش الكريم، على حساب الهويات الجماعية، والتي تأخذ طابع الدينية كما في تطبيقات الإسلام السياسي لهذا الشعار الحشدي الموهم، وهناك مأزق أدق، يفضح صدقية هذا الشعار، وهو أن أطروحة الإسلام السياسي، والمركزة في جماعة الإخوان، تقوم أساسًا على الانقسام التنظيمي، وانعدام الوحدة الأيديولوجية بين الأحزاب والفرق الإسلاموية نفسها، مما يجعل الحل حلولًا، والإسلام إسلامات متعددة، وهذا أبلغ دليل على كذب هذا الشعار الفج، وفقًا لاستغلال هذه الجماعات له، ومن المفارقات الغريبة أنه كلما تخلت الجماعة، أو أيٌ من فروعها في الدول الإسلامية، عن شعارها هذا ازدادت نجاحًا في أخذ موقع على السطح السياسي لبلدانها، وربما هذا ما جعل الشعار الذي كان منتشرًا لفترة زمنية طويلة، يشهد في العقد الأخير تراجعًا ملحوظًا في انتشاره وتكراره، حتّى أنّه يكاد يختفي من المجال السياسي والمجال العام.

من المهم الإشارة إلى أن استخدام تيارات الإسلام السياسي لشعار «الإسلام هو الحل»، القصد منه هو إخفاء حقيقة عدم امتلاك تلك الجماعات، برنامجا محددا للحكم، فهو شعار لا يشتمل على أي مضامين حقيقية، لا تاريخية ولا معاصرة، ولا يرقى إلى مستوى أي تطبيقات اجتماعية أو سياسية فاعلة، تخرج الدولة والمجتمع من أية إشكاليات اقتصادية أو سياسية تواجهها، ولا يقدم أي حل للمشاكل المعاصرة التي يمر بها المجتمع.