أَخْلِقْ بِذِي حَاجَةٍ يَظْفَرْ ،أعطيت ذاتي ما لم تستقم به نصف ذاتي، خلقت بداخلي ما لم أفهمه أو أجبره على الخضوع لي أو حتى التصرف بما أمليه عليه.

أصبحت من يوم ليوم قبله كما أنا بعد يومين أو أكثر، تشابه علي كل ما هو معلوم لدى الجنس البشري، فلم أقوَ حتى على استرداد ما هو معلوم وثابت.. حقائق كونية في داخلي حقائق «كيانية» أيضاً! لها ما لها في العالم، كما العالم له ما له!.

أخبريني هل تستغرقين في أحلامك المحتدمة؟ كما يحلم كل البشر بما يريدون، وما يقرع في خلجاتهم؟ ، تحلم أنا بما يؤرق كيانها بالكائن الذي عجزت عنه سبيلاً.. كما كانت الدنيا كلها، تكونت أنا، فالقوانين الطبيعية تجر على الطبيعة ما يمكنه أن يطبق فيها، بإثبات علمي من ناحيتها، ومن ناحيتي بلا إثبات علمي البتة!.

الأنا التي هي أنا وأنتَ إن أردتَ ذلك، لا تتعجل في إضفاء حكمها على هذا العالم، فأنا لا أطيق سبر غورها فهي مفجعة ومنيعة.

إن قالت فقد قالت ما قالت، وإن فعلت فهي تفعل ما تفعل، وليس لغير ذلك أي سبيل، فالسبيل هداية وهدوء وطمأنينة مهما كانت نهايته، والنهاية طمأنينة لعلمنا بأنها نهاية، وسيقف عندها كل كيان كائناً من كان؛ لا تتعداها نفسٌ بنَفَس!.

النهاية كالبداية، واضحة المعالم والسير، لها حثيث لو لم تتقدم، لو وقفت كل عمرك تتململ! العالم كله كنهه صنديد، فما تقوله يتكوّن، ليصبح فألاً أو بشرى، حلمٌ نستيقظ على نهايته ونشهق بتفاصيله شهقات تماثل سكرات الموت، كما تكوّن الكيان من الداخل سيتقهقر من الداخل، ومن صنع أنا الأنا التي لا تنطبق عليها ما يمكن استقراؤه أو استيعابه!.

تتمثل لنا دنيانا وكأن ما لها غيرنا، ونتعلل بأننا نحن الأول والثانون والأخيرون بحياتنا، التي لم نستطع حتى ترويضها بشكل يشبه الطبيعة التي ندّعي فهمها.. تتركز مجهوداتنا في خوض ما لا نريد خوضه فقط لنتخلص منه ونرميه في ربعٍ خالٍ بلا ألّ تعريف، تجويف مهلهل ليس بتجويف!.

رمالٌ جامدة تشبه تفاصيل حياة الأنا وحتى أنا، وحتى أنتَ إن أردت! تصفق هذا بهذا، سبابةٌ بإبهام، تصفق هذا بهذا، ألمٌ وإيلام، قداس وناقوس معاً، صلاة عيد وصلاة حرب، التسليمة في السلم، والعراك عينان تنظران في عينين، شفاه تتمتم وشفاه تكتم، أنتَ وأنا، ضيقٌ ورحابَة، توسّلُ تسولٍ وإجابة، رد وصد، كلامٌ مُلام، عتب وسندان! أما آنَ للأنا الآن؟ وهل سيلتف حبلُ ذراعيكَ حول الآثِم بأمان؟.

قلتَ لي ذات مرة مريرة، تنزلق فيها العبارات تلو العبرات، قلتَ لي أنكَ لم تشعر بضباب السكون، أو حتى عبق المذموم، في سيركَ معي طيلة هذه السنون، وقلتَ لي في المرآة، إن الكُلفَة زادت بشعور الأنَفَة، وأن فستاني الأخضر السائح، يرتع في الطين إن مشيت، وأن شعري المموج، يبتلّ في العراء.

قلتَ لي أنه عندما تتلألأ عيناي، أنك تخشى من الكسوف، وقلتَ لي إن برودة يداي أمرٌ غيرُ مألوف، وإن المطر ينزل في السماء كل مرة في كل عام، وإن السماء هذا المساء ملساء ولونها ساحر، والمطر يلفع وجهي وكأني عندما أمسك بقطراته، أضيفُ أياماً لعمري، وإن لهفتي تسعى من تلقاء نفسها لتستعيد سويعاتٍ (لحظات أزلية) معك.

أتيهُ.. أنقلب على أعقابي وارتد على مشاعري خوفاً عليكَ، وما تستطيع دفعي لفعله من أَجَلِكَ لأجْلك، لأؤجل ما هو عاجل! وتعتقد أن سهاماً تنطلق في قصةٌ عمرها ألفُ عام، لتقتصّ مما تظن أنه لا يمكن أن يستقيم، ستقتص مما لا يستقيم!.

فرحكَ بي وحزنك علي يرتقي لموضوع لوحة دون رسّام، وكاتبٌ بلا أقلام، وعالم يهوي في جنح الظلام، في يومٍ غائم ماطر خلف غيومه شمس مشعة، ودوني ودونه ألف سؤال بألف جواب.. جواب يخرج من شفتيك لتأخذه الرياح العاتية؛ فهي لا تكترث، ويطير بعيدا ويتناثر هباء حتى قبل أن أسمعه، لكن قلبي يسمعه... قلبي طائر في الهواء، يهوى ويهوي ثم يطير، لا أدري أين يذهب، لكنه ليس ملكي، كيف لي أن أهبك قلبي إن لم يكن ملكي؟.