هذا الأسبوع أثبت ولي العهد السعودي عزمه على المضي قدماً في تنفيذ رؤيته بشأن أوروبا الجديدة وهو الشرق الأوسط الأكثر ازدهاراً وخضرة، والذي من المفترض أنه سيساهم بأكثر من %25 من إجمالي الناتج المحلي العالمي في 2050.

جاء الالتزام السعودي تجاه قضية التغير المناخي على لسان ولي العهد الذي أكد في كلمته في افتتاح أعمال مبادرة الشرق الأوسط الأخضر أن هناك فجوة في التعاون على صعيد دول الشرق الأوسط لاقتناص الفرص في مجال حماية كوكب الأرض وتوحيد الجهود من أجل مواجهة مشكلة التغير المناخي، كما أن إعلان تأسيس صندوق للاستثمارات في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في الشرق الأوسط وإطلاق مبادرة الوقود النظيف والغذاء لحوالي مليار نسمة في العالم، إنما هي البداية نحو خطوات قادمة ستتولى السعودية قيادتها في الشرق الأوسط لتخفض الانبعاثات العالمية من غازات الكربون بمقدار %10 مع الأخذ في الاعتبار أن الشرق الأوسط يسهم بأقل من %5 من إجمالي الانبعاثات العالمية وفق قياسات 2020.

قد يتساءل القارئ غير المتخصص عما هي أهمية هذا التعاون الشرق أوسطي في مجال المناخ، ولماذا هذا الزخم الإعلامي حول الموضوع، وهل سيستفيد المواطن العربي والشرق أوسطي عموماً من هذه التحركات البيئية للدول؟

الجواب أن العمل الجماعي في الشرق الأوسط الذي تقوده السعودية لديه هدفان رئيسيان: أولهما تعظيم اقتصادات الدول في الشرق الأوسط من خلال مواكبة التحول العالمي في مجال الطاقة الذي يتبني تقنيات لالتقاط الكربون والاستفادة منه وبيعه مجدداً وأيضاً استخدام الوقود المتجدد للحفاظ على المناخ. وهذا يعني الاستفادة من الموارد الطبيعية والمناخية والجغرافية للشرق الأوسط لتقديم هذه البدائل بأسعار أقل، وكفاءة أعلى، واستدامة أطول من بدائلها في قارة أوروبا وأمريكا الشمالية تحديداً وهما اللتان تعانيان غالباً من مشاكل تقلبات المناخ والشتاء والأعاصير.

كما أن الهدف الثاني يأتي لرفع كفاءة جودة حياة وصحة المواطنين في الشرق الأوسط عن طريق حماية البيئة وزيادة رقعة المسطحات الخضراء وتعزيز الأمن المائي والبيئي للدول العربية.

من نتائج هذه الأهداف أيضاً، أنها ستخلق فرص عمل في مجال الاستزراع لأكثر من 50 مليار شجرة، 10 مليارات منها في السعودية، وأيضاً ضخ المليارات في القطاع الزراعي وتحريك هذا القطاع من خلال خدمات الزراعة والري والخبرات الزراعية واستصلاح الأراضي وتمديد شبكات الري والاستمطار الصناعي. ومن المعلوم أن المزارعين في الشرق الأوسط يمثلون نسبة كبيرة من السكان.

كما أن المملكة العربية السعودية ترغب في إفساح المجال لها في تقديم خبراتها في مجال التقاط الكربون وتدويره وتبني اقتصادات الكربون الدائرية التي طرحتها في قمة دول مجموعة العشرين العام الماضي أثناء ترؤس المملكة تلك القمة.

لدى السعودية حلول عملية تضمن خفض انبعاثات الكربون من خلال التقاطه وإعادة استخدامه وبيعه على شكل منتجات سلعية ما سيعتبر مصدر من مصادر الدخل الوطني للدول التي تتبناه. كما أن أرامكو السعودية تنجح حتى الآن في تطوير محرك السيارات الجديد الذي يعمل على الغازولين والقادر على خفض انبعاثات الكربون بمقدار %60 مقارنة بالسيارات الموجودة حالياً، وهو ما سيزيح السيارات الكهربائية عن المشهد بحكم كونه أكثر صداقة للبيئة من محركات الاحتراق العادية مع توفيره سعرا وموثوقية أفضل من السيارات الكهربائية.

مبدئياً سوف تضخ دول الشرق الأوسط أكثر من 39 مليار ريال في مبادرات الشرق الأوسط الأخضر حيث تساهم السعودية لوحدها بـ6 مليارات ريال وهو ما يمثل %15 من إجمالي الاستثمار.

هذا التعاون الشرق أوسطي، يعتبر الأول من نوعه على مستوى القيادات السياسية، وهو ما سوف يؤسس لشراكة إقليمية كبيرة هدفها النهائي أمن ورخاء واستقرار المواطن الشرق أوسطي. لن تكون هناك صعوبة في توطين التقنيات لدى الدول المشاركة ولن تكون هناك تحديات في طريق تطوير إنسان تلك الأوطان وتأهيله لتولي بنائها وازدهارها. لدى الشرق الأوسط فرصة كبيرة للاستفادة من مبادرة الأمير محمد بن سلمان وقيادته الشابة ورغبته الأكيدة في الوصول لهذا الهدف بحلول عام 2050.

لقد أعلنت السعودية أنها ستعمل للوصول للحياد الكربوني بحلول 2060 أي بعد عشر سنوات من التشغيل الفعلي لمنظومة الاقتصادات الدائرية للكربون. ومن المنتظر أن تعلن كل دول الشرق الأوسط المنظمة لاتفاقية باريس للمناخ في 2015 عن خططتها نحو الحياد الكربوني الذي سيعود عليها بالنفع على إنسانها أولاً وعلى اقتصاداتها ثانياً وعلى أمنها واستقرارها ثالثاً.

لا يسعني إلا أن أتفاءل وأشكر قادة الدول الذين حضروا إلى الرياض لأنهم سيجعلون مستقبلنا في الشرق الأوسط أوروبا الجديدة في نهضتها وتمدنها وتطورها وخضرتها.