قبل سنوات كنت في فريق عمل بجهة معينة، وكنا نعمل بجد واجتهاد لتحقيق الأهداف المرجوة، وفجأة في يوم ما خرجت كلمة حارقة بلا سبب من واحدة بالفريق، لتؤكد لي ما كنت أتوقعه من خلال تصرفاتها خلال العمل، فهذه الفئة أحيانا تخونهم كلماتهم في بعض المواقف ويفقدون السيطرة عليها.

قال يحيى بن معاذ رحمه الله: «القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر الى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه».

في الحياة العامة في جميع المجالات، تنصدم أحيانا من حجم حدة الكلمات الخارجة من أفواه البعض، حتى أنك لا تستوعب فظاظة الكلمة من هول الصدمة. تلك الفلتات أحيانا تحمل مدلولات عميقة ودفينة، وتخرج في مواقف، فيمتلئ القدر ويطيش المخزون، فتندفع تلك الفلتات الحارقة، تحرق المشاعر وتدمر عمق العلاقة وتجعل المودة تحتضر. فكل كلمة في الغالب لها مدلولاتها وكل إناء بما فيه ينضح. فما يمتلئ به قلب المرء، يتسرب من خلال أفعاله وألفاظه، وتبين لك مدلولاته ومؤشراته، ومبادئه ومعتقداته من خلال جوانب ولمحات وجهه، ومن الممكن أن تعطيك تصورا كاملا عن مدى تطابق المخبر والمظهر.

ففي فلتات اللسان يبين لنا الغيظ الطافح في القلوب، ويكشف لنا خبث الباطن في بعض الأحيان، فطيبة القلب تتلازم مع طيب الكلام، وصدق النية مبطن بحسن الكلام.

في الحقيقة، كلام اللسان له رصيد من القلب إما بالخير وإما بالشر، إما بالحق وإما بالباطل. وهو تعبير عن القرب من المنبع والأصل، لذا فسلامة المنبع مطلب أساسي لسلامة اللفظ، متى ما أحسنا تنقيته وتخليصه، فعلاقاتنا مع الآخرين فنّ وذوق، فلنستبصر حروف الكلمات قبل نطقها، ولنثمن الكلمة قبل التلفظ بها، فربّ كلمة قالت لصاحبها دعني!.

أخيرا، من مكارم الأخلاق حسن الكلام وطيب القلب، وهو من أعظم الأمور التي تورث الألفة وتجمع القلوب، والواجب علينا كمسلمين علينا أن نلتزم بحسن الخلق في حديثنا وسلوكنا، وفي تعاملنا مع الآخرين وأن نترك مالا يعنينا، فقد روى الإمام أحمد في مسنده: أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه، حتى يستقيم لسانه». والمجتمعات تبنى بالأخلاق.