(إنتي خليتي فيها أمير؟)، كان هذا ردًا طريفًا وأنيقًا -كما يفهمه السعوديون- على رد غير محسوب من مغردة كريمة، أعقبه منها اعتذارٌ عميق؛ ليأتيها ردٌ أكثر لطفًا وإنسانيةً: «ما حصل إلا الخير مسامحة الله يحفظك ويسعدك»، هذه هي الروح الجميلة المتسامحة التي يتعاطى بها الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- مع أخواته وإخوانه من المغردين السعوديين، وهذه سمة من سمات عديدة اتسم بها الأمير عبد الرحمن في خوضه غمار الشأن العام عبر الأداة الأبرز سعوديًا وخليجيًا «تويتر»، فهو قلم وطني يتسنم قمة العمل الوطني الشعبي السعودي في الفضاءات الافتراضية لإبراز المنجز السعودي، والدفاع عن قضاياه على مختلف الجبهات التي تدار من كل مكان؛ بغية هدم صورة السعودي قيادةً ومواطنًا ومنجزًا، فعلى مقدار الرقة واللطف مع القريب السعودي والخليجي والعربي، هو أشد من الفولاذ الصُلب على كل حاقد أو مغرض أو خائن قميء، يروم مس الكرامة السعودية.

ويشكل الأمير عبد الرحمن بن مساعد قيمة معنوية عالية لنا نحن ــ السعوديين ــ من خلال كونه حفيدًا لأعظم القامات العربية والإسلامية والعالمية، المؤسس العظيم المغفور له الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية، ومن خلال قيمته الأدبية كواحد من أهم رموز الشعر العربي اليوم، إضافة إلى كونه رمزًا من أهم رموز نادي القرن الآسيوي نادي الهلال السعودي، وغيرها من سمات كثيرة لا تعد ولا تحصى، غير أن ما يتجلى به ويحلق عاليًا فيه هو قيمته كإنسان، والتي تراها نموذجًا في رده الكريم على مغردة كريمة كتبت تحت اسم مستعار -وقتها-.

وبالرغم من قلة احتكاكي بأبناء الأسرة المالكة الكريمة (آل سعود)، إلا إن الصفات التربوية التي يتحلى بها أبناء الأسرة التي سمعتها أو قرأتها عنها، لا تكاد تذكر -على عظمتها ونبلها- أمام ما لمسته بنفسي منهم أثناء اللقاء أو التعامل، والتي يبرز فيها التواضع الشديد، واللطف الأشد، والاحترام العميق، وهذا تلمسه مباشرة حينما ترى نظام تعامل أفراد الأسرة الكريمة مع بعضهم البعض، والذي يأتي عامل السن فيه هو الفارق الأول في كل شيء، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى بما فيها المنصب السياسي، ثم طريقة المخاطبة والمناداة، والتي تَشبع فيها من كلمات: «طال عمرك/‏ يا طويل العمر/‏الله يحييك»، أناقة التعامل هذه لم تأتِ اعتباطًا أو أتت من فراغ، ولا غرو في ذلك، فهذا طبع وطابع الأسر الملكية عبر التاريخ في كل أنحاء العالم، والتي تتسم ببروتوكول وإتيكيت خاص بها، تدركه مباشرة في طريقة الكلام وطريقة اللباس وردات الفعل، والتجافي عن بعض الأمور التي يمارسها الناس بشكل طبيعي وعادي، وهذا لعمرك شيء عسير على غير المتربي والمتدرب على مثل هذه السلوكيات والعادات من نعومة أظفاره.

على صعيد آخر بيني وبين الأمير أقصوصة بسيطة قد لا يعلم هو عنها، هي سبب كتابة هذا المقال، وكتابة مجموعة تغريدات تحت وسم: (#عبدالرحمن_بن_مساعد_في_100شطر)، حيث كانت عندي فكرة لكتابة مقالة بعنوان: «ثلاثية الطرب العربي»، أحاول فيها إعطاء الكلمة واللحن، نصيبًا مستحقًا بجانب طغيان واجتياح الأداء لهما، إلى درجة أننا نقول، قال المغني/‏المغنية كذا، لأبياتٍ قالها شعراء تضيع أسماؤهم ما لم يكونوا بحجم الكبار، فطرحت الأمر على الأمير أثناء تشرفي بزيارته مع الصديق العزيز طارق الحميّد، فكانت إجابته السريعة والواضحة والمباشرة، والتي تشي بكل صفاء الدنيا، بالرغم من كونها مفاجأة نسفت فكرة مقالتي من القواعد، إذ قال: «إن النجم الأول للأغنية هو المطرب بلا منازع، وأضف إلى ثلاثيتك رابعة هو الموزع الموسيقي»، هنا ضربت الصفح ذكرًا عن فكرة المقال كله، وحتى أرد الاعتبار لمقالي الملغى من باب حفظ ماء الوجه، كتبت هذه المقالة التبجيلية المستحقة، كنوع من الهجمة المرتدة على الشاعر الكبير؛ لعلمي بعدم ارتياحه للثناء والتبجيل حتى لو كان مستحقًا، ولا يصف إلا بعض الواقع.

وعلى صعيد ثالث، تكرم بإهدائي ديوانه، والذي اقتنيته قبل زيارته -حفظه الله-، ولكن الإهداء حفزني لقراءته مباشرة، والقراءة حفزتني أكثر لكتابة هذه المقالة، وكتابة ذاك الوسم، فالقصائد التي ضمنها الشاعر الكبير ديوانه، تأتي كرسائل قرأها الوجدان وصدقتها الأحداق العاشقة والولهى دمعًا وألماً وأسىً، وكانت حبال وصل متينة بين القلوب المتعبة، والمشاعر المترعة، وكانت عبقرية النص والكلمة عند الشاعر عبدالرحمن بن مساعد، تعين عليك الليل والتعب والشوق، وتؤزهم أزًا لإثخان جراحك، وإغارة نصل الوجع أكثر وأكثر...

وتأتي مجموعة من النصوص في ديوان عبدالرحمن بن مساعد، كغيمة تطوف داخل روحك لا تسمع فيها صوتك الداخلي وأنت تقرأها بل تسمع فيها صوت محمد عبده وعبادي وأصالة يطربون روحك، وهي نصوص لا يفلح كثيرًا الملحن في إيصال هذا المعنى ما لم يكن يعرف دهاليز النص كما يعرف خفايا روحه، إلا إن كان هو كاتب النص، فقصائد مثل: «البرواز/‏ شبيه الريح/‏ مساء الخير/‏ النظرة الخجولة/‏ رحل/‏ ما أظن...إلخ»، لن يفلح الملحنون مهما فعلوا بإيصالها كما أوصلها لنا الملحن «صادق الشاعر»، والذي لو كان الأمير عبد الرحمن بن مساعد ملحنًا لكان «هو»، ولكنه ليس ملحنًا، ولا يمكن أن يلتقي هو والملحن «صادق الشاعر» في مكان واحد كما صرح الأمير بذلك.

أخيرًا، أعجبني كثيرًا، قول أحد النبلاء: «إن الوطنيين السعوديين يجاهدون على الحد الإلكتروني»، وهذا صادق، ومشاهد، فإن كان ذلك كذلك، فإن السعودي عبد الرحمن بن مساعد، هو قائد القوات السعودية في الحد الإلكتروني، وهو أحد أيقونات قوتنا الناعمة كما قال العزيز طارق الحميد.