في جميع مراحل حياتي كان الخيال جزءا من واقعي.. أبحر فيه لأماكن بعيدة.. ألتقي بأشخاص.. أعمل على لوحات فنية مختلفة.. أعيش فيه في عالم آخر أختاره بدقة وعناية.. فهو المتنفس الذي أبحر إليه كلما ضاقت بي حدود الأرض.. لا أتحدث كثيرا عما يجري في خيالي.. فإني أعلم أن كثيرا من الناس لا تفهم مغزاه.. فكثير منهم للأسف مصابون بعدوى الواقعية ومرض تعقيد الأحلام.

لا أملك أي ضغينة ضد الواقعية.. فأن نتعامل مع واقعنا هي مسؤوليتنا نحن وحدنا.. وأتقبل هذا الواجب بكل رضى.. فمن المهم أن نتعايش ونتفاعل مع ما يدور حولنا.. لكن يجب ألا نجعل الواقع يلغي الاحتمالات لدينا.. يلغي الأحلام والأمل.. فكل قصص النجاح المؤثرة وكل من وصل إلى حلم عظيم تحدى الواقع ووضع الاحتمالات التي يريدها.

القدر هو واقع محتوم.. وهل هناك أقوى من القدر كواقع؟ فإذا الله، عز وجل، جعل (الدعاء والصدقة) عبادات قد تغير القدر الذي يشارف على الوقوع.. فلم نيأس من أي احتمال؟!! الله لم يرد أن يقتل بنا الأمل فوضع لنا وسائل نجدد بها الحلم وطمأننا بأننا نستطيع تغيير قدرنا.. فلننتبه إلى كمية الأمل التي يريدنا الله أن نتحلى بها.. وكمية الأجر الذي وضعه، سبحانه، للصبر الجميل.. وهو الصبر مع توقع الخير.. ولننتبه إلى كمية الرزق الموجودة في العالم.. فلم عقلية الندرة وحب الكآبة؟

أستعجب من أعداء التفاؤل.. فريق الواقع المحزن.. فهذا الفريق لا يتطرق لواقع خير.. ولا يركز إلا على سلبيات الحياة.. وعندما تناقشه يجد لكل حل مشكلة، ولكل سعادة ثمن عظيم.. بهذه العقلية لن يسعد الإنسان مهما توفرت له الأسباب، ومع كل احترامي، تشاؤمك لا يمت للواقعية بصلة، بل هو أشبه بالظن السيئ بالله، فإن كنت لا ترى مخرجا من أي مشكلة والله أرحم الراحمين، فظنك سيئ، وسيأتيك ظنك وسيسوء حالك، إلى أن تتحرر من متلازمة النكد وقناع الواقعية.

أسأل نفسك اليوم:

هل أنا أبحث عن حلول أم مشاكل؟

هل أنا أشكر الله على نعمه وأستشعرها؟

هل أنا أحلم؟، هل لدي احتمالات تخرجني لحال أفضل؟

هل أنا متوكل على الله؟

هل أنا راض عن حياتي؟

هل أعدد النعم أم السلبيات؟

عند الإجابة على هذه الاسئلة صنف نفسك، واكتشف إن كنت تعاني من مستلزمة النكد، فنصف العلاج هو استيعاب المشكلة، فإن كان بك داء التشاؤم، حاول أن تعالج نفسك، وألا تخرج للناس بدائك الخطير هذا، فهو وباء ينتشر، وصدقني لا تريد أن تكون من قتل حلم شخص وبدد الأمل من بين يديه بادعاء الواقعية.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قال الله، سبحانه وتعالى، «أنا عند ظن عبدي بي». فالله، عز وجل، ترك لنا باب الظنون مفتوحا، وهو باب إن تحكمنا فيه واستطعنا إدارته أصبحنا سعيدين راضيين متنعمين، ولنصل إلى ذلك يجب أن نتعود أن نظن بالله خيرا ثم بأنفسنا والناس، يجب أن نظن باحتمالات حياتنا خيرا، وألا نحصرها.. يجب أن نظن بأحلامنا خيرا، وأن نوضح ظنوننا فهي ليست كلمات نقولها فحسب بل مشاعر، ولنتحكم بهذه المشاعر لا بد أن نواجه كل ما بداخلنا من أفكار وأحاسيس وننقها من السلبيات والخوف والقلق الزائد، ونملؤها بالظن الجميل والتفاؤل والحب والامتنان، فتهذيب النفس بالامتنان وتدريبها على التركيز على الخير فقط ضروري ولن يأتينا إلا بكل الخير.

فلنكن واقعيين إن اخترنا ولكن بتفاؤل ولنسعى في هذه الدنيا ونفعل كل ما بوسعنا بقبول ورضا، ولنمتن ونبحث عن الخير في كل ما كتبه الله لنا، «فرب واقع نكرهه يغنينا عن واقع لن نطيقه...»، ولندع القادم والقدر والاحتمالات بيد الله الرزاق الكريم، ولنتوكل عليه بقلوب مطمئنة، فلن يكتب لنا سبحانه إلا ما هو خير لنا.

«ومن يتوكل على الله فهو حسبه».