من أكثر الكلمات التي تشعرني بالراحة كلمة «بشويش»، وكأنها خليط من الهدوء والطمأنينة والأناة والتريث.. وكأنها خطوات متأنية واثقة نحو الهدف، وتعني مهلا مهلا.

وأصلها في اللغة: من الوَشوَشة؛ وهي الكلمة الخفية، وتأتي بمعنى الخِفَّة، ويقال «فلان وَشوَشي الذراع» أي الرقيق اليد الخفيف في العمل، فكأنّ أصل القول: تكلم بوشوشة، أو اعمل بوشوشة، أو كن وَشْوَشي اليد، ثم حُرِّفَت فقالوا: بشوي شوي، إلى أن صارت (بشويش).

كلمة «بشويش».. خفيفة على اللسان تنساب للوجدان فتمنح صاحبها شيئا من السكينة.. أسمعها.. فكأنها تخاطبني:

رويدا رويدا أيها الفتى.. على قلبك وروحك.. على عواطفك ومشاعرك.. على أعصابك.. على تفكيرك؛ فإن التفكير الزائد يخيفك ويوشك أن يقضي على متعة حاضرك.

بشويش لما تتكلم؛ فإنَّ كثرة الكلام مَهلكة! بشويش لما تغني بصوتك النشاز أو تعرض أفكارك الحمقاء أو تتناول الآيسكريم.

بشويش إذا أحببت أو كرهت أو تفلسفت أو مزحت أو كذبت أو حزنت أو غضبت أو بطشت أو تناقضت.

بشويش عندما تمر أمامك امرأة حسناء.. بشويش عليها أرجوك.

بشويش على أهلك ومالك وصحتك وجيرانك وقواريرك.

بشويش عندما تلعب أو تمشي أو تقود السيارة.

وإذا صرت مديرا ولو كانت إدارة «قروب واتس»؛ فإنَ الكرسي زائل والأيام دُوَل.. وإذا عطست؛ فإنّ من العطاس ما يخيف الكبير ويبكي الصغير ويحدث في الجسم زلزلة.

سئل حكيم: كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من السلام الداخلي؟ فقال: كنت أتعامل مع الأمور كلها بشويش. فقيل له: كل الأمور؟ قال: نعم.. كل الأمور.

قيل: بشويش بشويش؟!! قال: بشويش بشويش! أما عني، فقد عملت بقاعدة «بشويش» كثيرا، كان آخرها لما وَضَع لي العامل «كاتشب» على صبة الفلافل رغم تنبيهي المتكرر له أن يضع شطة وليس كاتشبا!، وأبديت انزعاجي قليلا واكتفيت بقول «هففف».

فردَّ عليَّ، إنَّ حياتنا كلها أصبحت «ملخبطة» ومعكوسة، (فما وقفت على كاتشب وضع بدلا من شطة) على حد قوله.. أقنعني والله!.

لذا أكلت الساندوتش كطفل مجتهد نجيب.

لكني أخالف الحكيم في التعميم؛ فإنّ الأمور إذا تعلقت بالإنجاز والمسؤولية وحقوق العباد، فلا يصح التعامل معها بشويش.. أي أن كلمة «بشويش» ذاتها استخدمها بشويش بشويش.