الوقوع في الخطأ فعل بشري، لكن تبريره عمل شيطاني، فكلنا كبشر نملك الغرائز نفسها والصفات والخصائص، لنا احتياجات وعلينا التزامات، وبين هذه وتلك نرتب أولوياتنا، وتلك الأولويات هي ما يؤطر صورتنا، ويحدد مسارنا وطريقة إنفاقنا من خزينة العمر المجهولة. فحين نرتكب خطأ، لأننا اتبعنا إحدى تلك الغرائز دون عقل يفكر وضمير ينهى وقلب يحس وإرداة رادعة، سنصبح كالحيوانات تقودنا الرغبة، ونهرع لتلبية ندائها، نُعطل عمل العقل تماما بتلك التلبية، ونستسلم لخوضها دون أدنى تردد.

هي لحظة ضعف وسوء تقدير صدرت منا بحق أنفسنا أولا، لكننا حين يتحتم علينا مواجهة أفعالنا تلك، نقرر أن نكون بشرا، فالبشر تفكر قبل أن تفعل، وبالتالي تتحمل نتيجة أفعالها، عندها نقوم بتشغيل العقل عند المواجهة، فنتوه للحظات، حيث إن العقل يرفض ما قمنا به، لكن الموقف يحتم عليه تقبل الواقع، فنحن في النتائج الآن، وهنا نحن بين: إما أن نكون فعلا بشرا ونعترف بالخطأ، وبالتالي لكل منا طريقته في الإصلاح، ما بين اعتذار مباشر أو غير مباشر، ما بين صمت لنترك العاصفة تمر، فلا جدوى من مواجهتها، وبين ذكاء وحكمة تكفل لنا احتواء الموقف.

وإما أن نعطل العقل مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليست عن طريق إيقاف عمله، بل تهميشه، إذ نقرر ألا نكون بشرا ولا حيوانات، نقرر أن نكون شيطانا، ظنا منا أن الخبث يُنجي، وأن الوقاحة سلاح، والجحود سبيل سهل للخروج من المأزق، وأن الكذب هو محامينا الماهر في قضيتنا تلك، والهجوم هو خط الدفاع الأول، لنكون بذلك مخطئين.

حقيقةً، الخطأ وارد وطبيعي في حياتنا، لكن المُغاير لذلك هو ما يترتب على تلك الأخطاء من كلا الطرفين، مرتكبه ومتلقيه.

وبما أننا في صفوف الحياة نخضع للاختبار قبل أن نتعلم، بعكس ما يحدث في المدارس، فإن الخطأ هو طريقنا للتعلم، وبالتالي نحن نتطور عن طريق الخطأ / الصواب، فليست كل الأخطاء أخطاء صائبة، نعم أخطاء صائبة، أي أنها خطأ على الأصول.

نعم الخطأ له قواعد وأصول، بل وهو أحوج لذلك من الصواب والصح، فالصح صح وانتهى، أما الخطأ فهو أصعب وأكثر تعقيدا.

في الخطأ: خسائر، طبع، أسف، إفساد.

في الصواب: صبر، واجب، أجر، بأس.

لنُسلم أن العقل والمنطق، حتى وإن تم تعطيله وقت ارتكاب الخطأ، فإن الحل الوحيد لعلاجه أو الخروج منه أو أي شكل من أشكال حله والتعاطي معه ترك العقل يعمل دون تدخل، فقد يجتمع بالإرادة لتسيطر على الموقف، وبالضمير كمستشار يستمع له، وبالإحساس ليجد السبيل، لكنه حتما لن يجتمع بالشيطان، لأن المخلوق بعقله، وعقله فقط، يصبح إنسانا.

تصالحوا مع فكرة أننا بشر نُخطئ، لكن اختاروا إنسانيتكم بعد الخطأ.