تعد النشرات الإحصائية الرسمية، مؤشراً مهماً ومرجعاً موثوقاً، يكشف واقع القوى العاملة لمواردنا البشرية المشتغلة في سوق العمل، والذي يوضح حجم مشاركتها في سوق العمل الوطني، ويعكس مدى نجاحنا في تحقيق أهدافنا الوطنية، سواء كانوا مشتغلين فعليين يمارسون الأعمال المختلفة، أو كقوى عاملة مؤهلة وقادرة على العمل، ولديها الرغبة في أن تجد فرصة عمل مناسبة، ولكن لا تجدها أمام ما تواجه من تحديات مختلفة، يتعلق بعضها بضعف التوظيف في الفرص المستجدة لصالح غير المواطن، أو بسبب ضعف التوطين في الوظائف التي يشغلها غير المواطنين في جميع المجالات، أو بسبب سياسات تعسفية يجدها المواطن من الجهات التي يعمل بها في القطاع الخاص، قد تدفعه إلى طلب الاستقالة رغم حاجته للوظيفة، أو أن ينهى عمله ويتم فصله فجأة، دون وجود مبررات مقنعة، في ظل غياب نظام عمل يحمي المواطن أو يسهم في تعزيز أمنه الوظيفي.

تداولت وسائل الاعلام منذ أيام إحصاءات، تتعلق ببعض الاختلالات التي يعاني منها المواطنون في سوق العمل، والتي أدت إلى استقالة أكثر من 177 ألف سعودي من عملهم في ثلاثة أشهر، في حين تم فسخ عقد عمل لـ22.840 سعودياً/ة بموجب المادة 80، وإنهاء عقد عمل لـ41.336 سعودياً/ة، وانتهاء نشاط عمل لـ19.551 سعودياً/ة بما أدى إلى فقدانهم لوظائفهم، وذلك بناء على بيانات الهيئة العامة للإحصاء في الربع الثاني من العام 2021، هذا ناهيك عن أن هناك انخفاضا قائما، في معدل التشغيل للمواطنين مقارنة بغير المواطنين، والذي يسجل 88.7% في معدله الإجمالي، في حين ترتفع النسبة إلى 97.6% لغير المواطنين.

عندما نجد ارتفاعا كبيرا في نسبة المشتغلين من غير المواطنين في جميع الفئات العمرية ابتداء من سن 25- 29، وحتى +60، مقارنة بالمواطنين، لتبلغ نسبة تتراوح ما بين 95-99% في جميع الفئات العمرية، وعندما يرتفع معدل التشغيل لغير المواطنين في جميع المؤهلات العلمية إلى معدل يتراوح بين 96-99%؛ لا شك أننا نستطيع أن ندرك سبب هذا الخلل الهيكلي في ضعف مشاركة المواطنين كمشتغلين في سوق العمل الوطني.

الاهتمام الوطني بتوفير بيانات إحصائية لجميع القطاعات؛ يستند إلى أهداف تنموي ورؤية استراتيجية عميقة، تتيح توفير أرقام شفافة ومعلومات متكاملة عن مختلف العاملين في قطاع الأعمال؛ ليستفيد منها صناع القرار في توجيه سياسات القطاعات المختلفة التي يتحملون مسؤوليتها، ويبادرون في دعمها باتخاذ القرارات المناسبة ورسم الاستراتيجيات المتناغمة، مع تحقيق أهداف الدولة العامة في رؤيتها وتطلعاتها نحو حاضر منتج ومستقبل واعد.

صحيح إن هناك انخفاضا نسبيا في معدلات البطالة بين المواطنين مقارنة بسنوات خلت، والتي سجلت معدل 11.3% في الربع الثاني من هذا العام، مقارنة بمعدل 12.8% لنفس الفترة من العام 2017، ولكن لا بد وأن نلاحظ كذلك، إن هناك تدفقا مستمرا لمخرجاتنا التعليمية على اختلاف مستوياتها ومؤهلاتها، وأنها ما زالت تناضل وتكافح، لكي تنتزع فرصة من فرص العمل المناسب والمتاح في جميع القطاعات القائمة والمستجدة، بسبب استحواذ نحو 80% من غير المواطنين على فرص العمل القائمة.

تنظيم سوق العمل وتصحيح مساره وضبطه، يحتاج إلى مراجعة وتحديث لوائحه ومواده، بما يخدم واقع السعودية اليوم والمستقبل، لا يمكن أن يترك توظيف المواطنين وتدريبهم وأمنهم المهني والاجتماعي، تحت رحمة مسؤولي القطاع الخاص الذي يستحوذ عليه غير المواطن في التوظيف وفي الترقيات وفي الفصل وفي الدفع إلى الاستقالة، لا يمكن أن نأمل تحسين واقع التوظيف والتوطين، ونحن نفتح الاستقدام على مصراعيه لمختلف المؤهلات، دون الأخذ في الاعتبار مخرجاتنا التعليمية، لن ننجح في رفع نسبة تشغيل المواطن بنسب مرضية تقفز بالمعدلات الحالية إلى نسب مرضية، إلا بتصحيح ومراجعة سياسات سوق العمل وتعديل لوائحه لصالح المواطن، لن نحقق أهدافنا ومبادراتنا نحو التوطين إلا بمتابعة تطبيقها الفعلي على أرض الواقع، لن نتقدم في رفع نسبة توظيف المواطن، إلا بعد إلزام جهة العمل بتدريبه وتأهيله عبر لوائح تنظم ذلك، لا يمكن أن نسهم في زيادة تشغيل المواطنين إلا بالاقتناع والإيمان بأن تدريب المواطن في مؤسسات الدولة مسؤولية وطنية قبل كل شيء، وإلا أين يتدرب المواطن؟ هل يذهب إلى الدول التي نستقدم منها ليتدرب عندها؟ وهل ستمنحه الفرص كما نفعل نحن؟ لماذا هذا الازدواج في معايير التوظيف لتجنح لصالح غير المواطن؟

صحيح أن القطاع الخاص يحتاج إلى محفزات ودعم مؤسسي، يدفعه إلى تغليب حسه الوطني في توظيف المواطن، سواء بتخفيض ما يؤخذ منهم من مستحقات ضريبية وغيرها من متطلبات، أو ما يتصل بمنحهم مميزات تجارية ومؤسسية تدعم تيسير الإجراءات المتبعة للمنشأة في التراخيص والأعمال، بحيث تمنح مقابل توظيف المواطنين الفعلي وليس الوهمي.

هناك فجوة كبيرة بين ما نشهده من تحديات تواجه المواطن في التوظيف، وما يجب أخذه من قرارات وسياسات مناسبة تسهم في تصحيح واقع مواردنا البشرية المهمشة والمستبعدة- إلا فيما ندر- وبحجج واهية ومعايير غير متوازنة تفتقد إلى العدالة والانضباط في تطبيقها وفي تنفيذها عند توظيف المواطن وغير المواطن!