قلت له وأنا أحاوره: اطلعتُ على تغريدات منسوبة إليك، تتضمن التعاطف مع حزب الإخوان، وتناكف موقف دولتنا المملكة العربية السعودية، في تعاطيها مع بعض الأحداث السياسية، وتقيم نفسك حكَما فيما يجب أن تفعله الدولة، وما لا يجوز أن تفعله، فهل هي فعلا لك ؟

فقال: نعم هي لي، ولكنها قديمة، وقد حذفتها.

فقلت: كونها قديمة أو جديدة، موجودة أو محذوفة، لايغير من الحقيقة شيئا، إذا كان الإنسان يعتقد صحتها، وأنا وأنت نتحاور حوارا علميا مؤصلاً، ومعاذ الله أن أمارس عليك دور الأستاذية، حاشا وكلا، فأنا لا أزايد عليك ولا على غيرك في محبته لدينه ووطنه وقيادته، لكن كما لا يخفاك كل بني آدم خطَّاء، ونحن نتحاور بهدف الوصول إلى الحق، وليس الغَلَبَة والمزايدة.


فقال: أما وقد قلتَ ذلك، فدعني أنا أحاورك.

فقلت: على الرحب والسعَة، تفضل.

فقال: الإخوان المسلمون يَدْعون إلى تحكيم الشريعة، فلماذا تم إسقاطهم ؟

فقلت: مقدمتك الأولى خاطئة، فهم لا يَدْعون إلى الشريعة، بل يَدْعون لحزبهم، ومؤسس الحزب نفسه حسن البنا يقول «دعوتنا هيئة سياسية، وحقيقة صوفية» فهل أنتَ أعلم بالحزب من مؤسسه ؟ فمادام أنها - كما يقول مؤسسها - صوفية وسياسية، إذاً لاعلاقة لها بالإسلام الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إن سلوكها منذ أنشئت إلى اليوم، يدل على أنها لا تُعنى بالتوحيد، ولا بالعمل بالشريعة، وإنما عملهم مبني على التكتلات والتحزبات، والمصادمات والاغتيالات ومنازعة الحكام، وبث الفوضى وزعزعة الأمن، هذه حقيقة مشاهدة، وحتى لو وصلوا الحكم فإنهم ينبذون الشريعة وراءهم ظهريا، كما نبذوها قبل أن يصلوا، فلا تغتر بالشعارات، لأن العبرة بالحقائق، فالخوارج قديماً رفعوا شعار: الحاكمية، أي لاحكم إلا لله، ولكنهم هم أول من يخالف حكم الله، وهكذا الإخوان سواءً بسواء.

واعلم أنهم لو كانوا يريدون الشريعة كما يزعمون ويَدَّعون، لعملوا بمقتضاها من تحقيق التوحيد، والحفاظ على الأمن، والسمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمور في دولهم، والصبر على مايكرهونه منهم، وعدم التهييج والإثارة عليهم، عملا بالشريعة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية» رواه البخاري ومسلم، ألم يوصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» بينما حزب الإخوان بضد ذلك تماما، يخرجون على الحكام ويُفَرِّقون جماعة المسلمين، ألم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنكار العلني على الحكام كما في قوله «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية» بينما حزب الإخوان بضد التوجيه النبوي، فهم يُهَيِّجون على الحكام في مجالسهم، وعلى المنابر والقنوات باسم النصح، وفي المقابل لا ينكرون على قادة أحزابهم والمتعاطفين معهم مهما فعلوا من الطوام، بل يعتذرون لهم، ويقولون إن كان لابد من النصح أو الإنكار فليكن سراً، لئلا ينشق الصف، وتحدث فتنة، أرأيت هذه الازدواجية في تعاملهم، ومخالفتهم ما تأمر به الشريعة، فكيف تزعم أنهم يَدْعُون إلى الشريعة، وهم كما ترى يعملون بضدها تماما ؟

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُم سَتَلقَون بَعدِي أَثَرَة فَاصبِرُوا» فحتى مع وجود الأثرة من الحكام يأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصبر، لم يقل: اشجبوا، استنكروا، ظاهروا، اخرجوا، كلا، بل قال: اصبروا، وكما ترى حزب الإخوان أصحاب مظاهرات وتهييج وإثارات، لم يأخذوا بالتوجيه النبوي، بل عملوا بضده، ولو أردتُ الاستقصاء لاحتجت وقتاً طويلا.

فالخلاصة: أن جماعة الإخوان المسلمين لا علاقة لها بمنهج الإسلام، لا من قريب ولا بعيد، فهذه حقيقة، وأعداء الإسلام يعرفون هذه الحقيقة، ولذلك يُوفِّرون لهم ولغيرهم من دعاة الفتن، الملجأ في بلادهم، ليهاجموا أوطان المسلمين ومجتمعاتهم وحكامهم.

وأما قولك: لماذا تم إسقاطهم ؟ فربما أن الذي أسقطهم هو من أسقطوه من قبل، فشربوا من الكأس الذي أسقوا به غيرهم، فما الذي يجيز لهم الثورات على غيرهم، ويمنع الثورات عليهم، أقول ذلك من باب الإلزام لهم بما يعتقدون، وإلا فأنا أعتقد أنه لا يجوز الخروج على أي حاكم مسلم، أما حزب الإخوان والمتعاطفون معهم، فمكاييلهم مختلفة، إذا خرجوا على حاكم ليس من حزبهم، قالوا هذه ثورة مباركة، وإذا كان الخروج على حاكم من حزبهم قالوا هذا انقلاب ظالم، ولا حاجة لذكر الأمثلة، وأظنها لا تخفاك، وهذا التناقض سببه أن موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله.

فقال: ما كنت أعرف أن حسن البنا يقول إن الجماعة صوفية وسياسية، وما ذكرته أنت عن مخالفاتهم هذا صحيح نشاهده، ونحن انخدعنا بسبب العاطفة للإسلام، ونحن غير متخصصين بالعقيدة والمذاهب، فاللوم عليكم بعدم التوضيح.

فقلت: العلماء الراسخون كشيخنا صالح الفوزان حفظه الله، وضحوا هذا ولم يُقصّروا، ونحن طلابهم قمنا بالتوضيح والتحذير، ولكنكم فتنتم أنفسكم، واتبعتم الشعارات الكاذبة، ومادام تبين لك الحق، فالحمد لله، تمسَّك به، وفي نظري أن حذف التغريدات المسيئة لا يكفي، بل لابد من البراءة منها، وبيان الخطأ فيها، لأن ذلك من النصح، لئلا ينخدع بها من قرأها سابقا، فيكون على كاتبها إثم من تبعه، قال تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِم».

فقال: إن شاء الله.

فقلت: ها هنا مسألة أريد أن أختم بها الحوار معك، وهي أنه ما كان ينبغي لك ولا لغيرك، أن تتدخلوا فيما لا يعنيكم من أمور السياسة في بلادنا، لأننا بأيدٍ أمينة، وولاة أمرنا يتصرفون مع الدول وفق ما فيه مصالحنا الدينية والدنيوية، ويعلمون من سياسات الدول والتنظيمات ومقاصدها ما لا نعلم، فكان المتعين لزوم وصية النبي صلى الله عليه وسلم في قوله «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» وقوله «عليهم ماحُمِّلوا وعليكم ماحُمِّلتم» وحديث «وألا ننازع الأمر أهله» والذي يناكف دولته في مواقفها هو منازع لها، والذي يكون مع أعداء دولته لم يلتزم بمقتضيات البيعة الشرعية.

وأنا أستغرب من رجل ينعم بالأمن ورغد العيش، وأحسنت له الدولة منذ كان طالبا في الابتدائي إلى الدراسات العليا، بل ربما ابتُعث على حساب الدولة، وحصل على أعلى الشهادات العليا، ثم بعد ذلك يعض اليد التي أحسنت إليه، من خلال كتابات أو تغريدات مسيئة، يتعاطف فيها مع أحزاب ضالة مضلة، ويهوّن من شأن الإمامة والسمع والطاعة، ويدعو للثورات والفتن باسم الحرية وسيادة الشعب، فهذا فضلا عن أنه مخالف للشرع والعقل، فهو أيضا مخالف للرجولة التي تأمر بالوفاء ورد الجميل.