في دار عرض الأيام، ومسرح أحداثها وأفراحها وأتراحها ومواقفها ودورانها، بات غلاف كل عدد جديد صادر منها يتغلف بشكل رفيق، وليس ذاك بعد بالأمر المجيد، فأيان يكون كل من هناك يخلص الود، فابحث عن الأصالة قبل أن يعدّ في منزلة «صديق».

البدايات سهلة التمثيل، إنما المشاهد الناقد لا تغر فكره ولا تخطف بصره ولا تملأ شغفه ولا تسرق لباب ذائقته مؤثرات الإبهار المسرحي، فهو فنان مخضرم، وانتباهه مدرب على التمحور حول الأداء الفني العميق.

على بندول الحداثة وغياب الأصالة، يقع الإنسان فريسة مزدوجة لطعنات الحياة وخذلان الأصدقاء، وهنا يولد السؤال: لماذا وأنّى تتغير النفوس؟ وكيف تتبخر القيم وتتبعثر؟..

هكذا فجأة.. لا جديد.. الوجه الحقيقي تحت المجهر.. أزيلت الأقنعة وغيبت الفضيلة وفتحت الحواجز ومهدت الطرقات، فظهرت خبايا النفوس على طبيعتها المحزنة.

عقد الأصالة

سئل أبو حيان التوحيدي عن أطول سفر للإنسان، فقال: «من سافر في طلب صديق».

الحياة رحلة جمالها كامن في حجز مقعد على «درجة الأصدقاء».. عشوائية الاختيار قطار سريع إلى صدمات تتلوها صدمات.. حينها تغدو العزلة درعا لحصانة الذات..

ندور في أزمنة متسارعة وخيارات لامتناهية وطاقات محدودة.. والخطأ لم يعد شيئا هامشيا، وترشيد العمر قد غدا أمرا ملزما.

انتقاء الأصدقاء هو إحدى أعظم المهارات، فمجموعة الأصدقاء الصغيرة التي أملك ستفي دائما بالأوكسيجين اللازم لقيمي ومعتقداتي ووجداني.

صقلت الانتقائية، وتوجت علما حديثا معقدا لا يجيده إلا من امتلك الاحترافية العصية.. يتوه كثيرا من عقد النظر على ما لا يبعد عن أرنبة أنفه إلا أمتارا قليلة.. والحظيظ من اعتمد آلية الفلترة لعناصر دوائره، فحينئذٍ تتخطى نظرته أفق السحاب وغياهب الضباب..

السر أنه قد انتقى عقد الأصالة أولا قبل أن يقرر الرفيق.

في تلك الفضاءات ستتجلى له نجمات الصداقة قائدة لمقصورته، محلقة بقارئها إلى قمة معزوفتها القيَميَّة الخاصة..

تبدأ بهزة أرضية اصطناعية، وتنتهي بشق الطريق إلى ذروة مثالياتها الحقيقية.. على ترجمة الأنوار لـ«المعنى الحقيقي للصداقة».

صداقة الفضيلة

«يكون الرجل سعيدا إذا واجه ظل صديقه»..ميناندر.

فيلسوف الإغريق أرسطو يصنف «الصداقة» في ثلاثة أنواع:

الأول صداقة «المنفعة» القائمة على الفائدة المتبادلة مثل زملاء العمل أو صحبة مدربك الرياضي مثلًا، والثاني صداقة «البهجة»، للاستمتاع بالوقت كزمالة مجموعتك في الرحلات والحفلات.. هذان النوعان يعكسان صداقة «أنانية»، تنتهي بانتهاء الغرض، وهما الأكثر شيوعا..

والثالث صداقة «الفضيلة»، حيث يشترك الأصدقاء في مجموعة المبادئ والقيم.. هذه الصداقة «غير-أنانية»، وتمتاز بالخصائص المطلقة، وتستوفي الغرض من الصداقة، فكل طرف لديه الرغبة في الخير لصديقه من أجل نجاحه.. هي علاقة بناءة مستدامة مدى الحياة.. وهي الصداقة الأندر.

فتِّش عن المبادئ.. افحص الاستقامة.. نقِّب عن القيم.. تقصَّ عن الأخلاق.. اسبرْ السِّير.. واطلب الجوهر.. لا تقصر ولا تقصر الطرف، فأي ارتكاس سيبوء بالندم وبأثر رجعي.. نعم.. وقبل التسرع بالقول لدينا «صديق»، فأجمل القول لدينا «أصيــل»!.