يقال لكي تدفع بأي قضية للواجهة وليتفاعل معها الناس ألبسها لباسًا حسنًا !.

عبر التاريخ البشري، كثير من القضايا أراد أصحابها استغلال عواطف الناس، من خلال إلباسها لباسًا جذابًا يدغدغ العواطف، أو رداء دينيًا كما الحروب الصليبية، وكما بعض الحركات الدينية في العالم الإسلامي، أو حتى التيارات والأحزاب والأيدولوجيات استخدمت هذا الأسلوب. فالشيوعية اعتمدت شعار العدالة والمساواة للجميع، والقومية العربية اعتمدت على التلويح بالعروبة إلخ.. وبغض النظر عن الهدف الحقيقي للحركة أو التيار أو الحزب والذي كثيرًا ما تكون تصرفاته مخالفة لما ينادي به، لكنه يحاول إخفاء أهدافه الحقيقية لكي يجذب الناس.

خلال عقود حاول الغرب وخصوصًا اليساريون منهم، الهجوم على النفط، تارة بنعت أوبك بأنها منظمة احتكارية ومرة بالتلويح بالعقوبات، ومرة بمحاولات وجود مصادر أخرى للطاقة، والآن النغمة التي زادت مؤخرًا التغيير المناخي والطبيعة والاحتباس الحراري والتلوث !.

أذكر كنا ندخل في نقاشات مع بعض الباحثين وعادة عندما يكون النقاش كلاميًا يكون أكثر صراحة، لأن الباحث ليس لديه الوقت الكافي للتفكير العميق لإخفاء نواياه الحقيقية، وكما يقولون فإن اللسان يخرج ما في القلب، وكان البعض يقول لا نعرف كيف لدول متخلفة اجتماعيًا (حسب تصورهم) تتحكم بمصير عجلة الاقتصاد العالمي ووقود محركاته ؟. أما البعض الآخر كان أكثر تطرفًا بقوله، ماذا قدمت دول نفط العرب من إضافات للعالم، غير أنها تستخرج النفط الذي وجد في باطن أراضيها دون عناء وتبيعه ؟ أين الذكاء في ذلك ؟، يعني بالعامية كأنهم يقولون (يعطي الحلاوة للي ما له أسنان!).

كنا نقول لهم: كم دولة في العالم لديها نفط بل مخزوناتها أكثر من نفط الخليج، لكن أنظروا حالهم وحال شعوبهم وماذا عملوا بهذه الثروة ! وماذا عمل هؤلاء البدو لرفاه شعوبهم وتقدمهم وازدهارهم !.

الغرب لم يكن يتقبل النفط من دول أوبك وغيرها من أجل سواد عيون أوبك ولكن فعل ذلك لسببين؛ أولا الدخل الحكومي الذي يأتي من الضرائب على النفط، ونتكلم عن تريليونات الدولارات (ضرائب)، وللعلم فإن قيمة الوقود للمستهلك النهائي في بعض الدول الغربية وخصوصًا أوروبا مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج معظمها ضرائب، والضرائب على الوقود أكثر من قيمة سعر النفط نفسه !. والسبب الآخر هو شركات النفط الغربية والفوائد التي تجنيها والأعداد الهائلة التي توظفها!.

الآن الغرب طلع بموضة (قضية جديدة / قديمة) وهي البيئة ! أرادوا تلبيس التخلص من النفط بغطاء جذاب وهو البيئة والطاقة الخضراء!.

والسؤال الأهم هو من أكبر ملوثي العالم ولعقود؟، أليس الغرب والدول الصناعية !، ومن الذي طلب وضع الفحم بدل النفط لإنتاج الطاقة، أليست مجموعة الدول الصناعية !.

الآن يريدون التخلص من تحكم الدول النفطية ليس حبًا في الطبيعة، بل ليكون التحكم بالطاقة، وتقنياتها من نصيبهم !

لذلك حرضوا منظمات الخضر والبيئة واليسار من أجل سلامة الأرض على حد زعمهم !.

اليساريون وكثير من نشطاء الخضر أقرب ما لهم نشطاء (الهيبيز)، يبحثون عن أي قضية أو مناسبة ليرقصوا فيها ! وسهل جدًا جذبهم بالشعارات البراقة!.

الطاقة المتجددة والخضراء لم تنضج بعد، والواقعيون في العالم يعرفون ذلك جيدًا، لكن بيع تقنية الطاقة البديلة أصبح الهدف الجديد للدول الغربية ! وأيضًا تحميل الدول النامية تكلفة الانتقال للطاقة البديلة، ومن ثم قروض ومشاريع لشركات غربية وديون للغرب وأيضًا لتخفيف اندفاع اقتصاد الدول النامية التي تحتاج الطاقة لكي ينهض اقتصادها، فهي الآن بدأت تحصل على الطاقة التقليدية شبه الكافية، لذلك فإن أي تغيير في تركيبة الطاقة سيحتاج تغييرًا هائلًا آخر، وأيضًا بنية تحتية جديدة وتأخر اللحاق بالركب، وكأن الدول النامية عندما بدأت تلتقط الأنفاس، جاءهم نوع جديد، الاستغلال الغربي من خلال ملف الطاقة الخضراء !.

وهناك مثال معروف لعدم نضج الطاقة الجديدة وهو طاحونة هوائية بقدرة 2 ميغاواط تتكون من 260 طنًا من الفولاذ الذي يتطلب 300 طن من خام الحديد و 170 طنًا من الفحم، أي أن ما تستهلكه من طاقة في إنتاجها أكثر مما تنتجه، يقال إن هذا مثال قديم قبل أكثر من عقد، وأن التكنولوجيا قد تطورت حاليًا، ولكن يبقى السؤال لماذا أيضًا خيبت الآمال مزارع الرياح هذه السنة !.

لسنا ضد الطاقة المتجددة والخضراء، لكن يجب ألا يسيس ملف الطاقة ويستخدم لأغراض تخدم الدول الغربية، الموضوع يجب أن يكون البحث عن المزيج الأنسب للطاقة، وليس محاربة نوع من الطاقة بعينه لأجندة خفية !.

حتى عملية التحول في مزيج الطاقة يجب أن تكون تدريجية ومنضبطة وتخدم الجميع، بدل أن تكون ذات أهداف سياسية، وأيضًا تسبب اضطرابًا لسوق الطاقة العالمي !.

ما يحدث حاليًا منتهى النفاق الغربي، إذا أردت أن ترى الحقائق فانظر إلى الأفعال وليس الأقوال !.

من سخرية الأمثال، بدأنا نشاهد بعض التقارير التي تمجد الطاقة النووية مثلًا وتكنولوجيا جديدة للمفاعلات، تصور الطاقة النووية بكل ما فيها من أخطار، صار يمدح فيها ويمجد لها من منصات إعلامية ودول، وفي الوقت نفسه هذه الدول تحارب النفط ! طبعًا لأن التقنية تملكها شركات غربية !.

ما نراه الآن من تصريحات غريبة لا تمت للواقعية بصلة من بعض الغرب واليسار، هي مزايدات أكثر منها حقائق على أرض الواقع !.

إن بعض المتطرفين في اليسار الغربي، يريدون أغلالًا تخنق الاقتصاد العالمي خصوصًا الدول النامية من أجل أحلام وردية ونزوات !.

يجب أن تصل الدول النفطية وأوبك+ إلى قناعة، أن مصالحها ومصالح انتعاش الاقتصاد العالمي مقدمة وذات أولوية على أي أجندة يسارية متطرفة غير عملية !، لو ترك الأمر لأجندة اليسار لأصبح العالم في ركود وكساد عالمي ونقص في الطاقة وفقر ومجاعة وعدم استقرار !.

ما الفائدة أن أجعل شخصًا مرفهًا في أوروبا يقود سيارة كهربائية، وفي الوقت نفسه يصاب مئات الأشخاص في إفريقيا وآسيا بالجوع والبرد لنقص الطاقة !، أنت بذلك تقتلهم الآن قبل أن يقتلهم التغيير المناخي الذي ربما سيأتي بعد عقود !.

تاريخيًا لم يستطع اليسار العالمي و(الهيبيز) الخضر أن يديروا دولة واحدة باقتدار، فالدول لا تدار بالشعارات والمزايدات !.

الواقع يقول، إنه لو حدثت الآن أزمة طاقة عالمية، فإن الغربيين أول من سيتخلى عن بقية العالم وعن الدول النامية، وسيرمونهم تحت الباص كما يقول المثل، لأن في أزمة كورونا وهو مثال قريب ومشاهد، الغرب أغلق حدوده ولم يوزع المعونات الطبية بشكل عادل، وحتى اللقاحات تم توزيعها للدول الغنية والدول الفقيرة لم يصلها إلا أقل القليل !.

الأزمات تبين معادن الدول، وأزمة كورونا عرتهم، ولو فرضًا جاءت أزمة طاقة بسبب الأجندة المتطرفة لليسار، فإن أول من سيتخلى عن العالم هم الغرب !.

ولو كان الوضع مقلوبًا وكان النفط في البلاد الغربية لرأيت الغربيين يبتزون العالم بشكل يومي، ولباعوه لبقية العالم بأغلى الأسعار وأضعاف سعره الحالي !، ولحاربوا من أجل بقائه. فليتركوا المثاليات الزائفة جانبًا، وليتركوا شماعة الطبيعة واستغلال الأطفال مثل الناشطة المسكينة لأغراض سياسية !.