القليل فقط يعلمون أن المملكة العربية السعودية وحدها تنتج قرابة 22% من المياه المحلاة في العالم أجمع. ونظرا إلى شح المياه الجوفية والسطحية في مملكتنا الغالية، بات أمننا المائي يتطلب إيجاد مصادر وحلول بديلة لاستمرار تأمين أهم مورد في الحياة.

من هنا يأتي دور المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، وبعض شركات القطاع الخاص في تعزيز إمدادات المياه لجميع مناطق المعمورة.

إن أرخص موجود وأغلى مفقود يصل إلى ما يقارب 100% من المستهلكين في المملكة دون انقطاع - ولله الحمد - لكن يتساءل القليل عن رحلة هذه القطرة من المصدر إلى الصنبور.

بشكل موجز، رحلة المياه المحلاة تبدأ من محطات التحلية، مرورا بخطوط النقل، وأخيرا إلى شركة المياه الوطنية للتوزيع (مصلحة المياه سابقا)، ويدخل في تلك العملية بعض من الجهات التنظيمية، لضمان جودة المياه، وموثوقية الإمداد.

بدأت رحلة تحلية المياه في مملكتنا الغالية قبل ما يزيد على 100 عام، ففي 1907م، اُنتشلت آلة تعمل بالفحم الجيري، لتقطير بخار الماء من إحدى السفن المتحطمة، ونُصبت على شاطئ جدة، وقد سميت «الكنداسة»، اشتقاقا من «Condenser»، وتعني «المكثف». وبعدها بـ19 عاما، في 1926م، أمر جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - باستيراد آلتين كبيرتين، لتقطير مياه البحر من أجل تأمين احتياجات الحجاج والمعتمرين من المياه، بالإضافة إلى تزويد سكان مدينة جدة بالماء.

بعد ذلك، تم افتتاح محطتي الوجة وضباء، ومحطة جدة الأولى، ومحطة الخبر الأولى.

ثم صدر المرسوم الملكي في 1974م، لإنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة كمؤسسة عامة ومستقلة.

من هنا، بدأت المؤسسة جهودها في تعزيز الأمن المائي بتدشين العديد من المحطات المنتجة للمياه والكهرباء.

حققت المؤسسة عدة إنجازات، وتعتبر المجمع الأكبر لخبرات التحلية في العالم أجمع، حيث تنتج وحدها قرابة 15% من المياه المحلاة في العالم أجمع من 32 منظومة إنتاج، موزعة على ساحلي المملكة، بواقع 5.9 ملايين متر مكعب يوميا.

من ضمن تلك المحطات محطات تحلية الجبيل، التي حازت تسجيل «جينيس» كأكبر منظومة إنتاج للمياه المحلاة في العالم أجمع، وتسجيل آخر لمحطة رأس الخير كأكبر محطة لتحلية المياه في العالم.

كما كسرت المؤسسة عدة أرقام قياسية، منها عدة أرقام في كفاءة استهلاك الطاقة، وحققت أقل أرقام استهلاك للطاقة في إنتاج المتر المكعب بتقنية «التناضح العكسي».

كما تعمل الآن على عدة مشاريع، لإنشاء محطات جديدة في عدة مناطق، لزيادة الإنتاج والكفاءة.

لذلك عندما نقول إن وراء كل قطرة ماء محلاة بطلا وقصة، فنحن بذلك نعني أن هناك أبطالا يعملون على مدى الساعة، وطيلة أيام العام، ليفتح المستهلك الصنبور، فيجد الماء يتدفق، فهم الجندي المجهول الذي يكافح وراء الكواليس بصمت.

كل ذلك يأتي بدعم سخي من حكومة مملكتنا الرشيدة، لتعزيز الأمن المائي لهذا الوطن وأبنائه.

تتجه الآن المؤسسة إلى توظيف تقنية «التناضح العكسي» بشكل كامل تدريجيا، وستترتب على ذلك نقطتان ساخنتان:

خفض تكلفة إنتاج المتر المكعب إلى قرابة ريال وربع الريال، وأيضا الإسهام في خفض الانبعاثات الكربونية كجزء من مبادرة «السعودية الخضراء».