أحب ما على قلبي، سماع صياح وبكاء أيٍّ ممن يُحسبون على ما يسمى بـ«مقاومة إسرائيل»، خصوصاً في قطاع غزة. ولدي كثيرٌ من المبررات، أقلها إن إسرائيل تُناصبني العداء الواضح – بالشكل السياسي – وكذلك حركة حماس «الإرهابية».

فهي بالإضافة لعداوتها، تمارس برموزها وقضيتها، الانبطاح في طهران، وتخضعه لمشروعها التخريبي، وعلى هذا الأساس تعتبر – أي حماس - مناهضة لهدوء المنطقة واستقرارها بمشاركة الجمهورية الإيرانية، وذلك يندرج في إطار الإرث التاريخي لولاية الفقيه، وهذا ليس موضوعي.

في حقيقة الأمر، لم ولا أستطيع تجاهل الفرح المستقر بنفسي، جراء تفكير سيدة القارة العجوز «بريطانيا» مؤخراً، بضرورة وضع حركة حماس على قوائم الإرهاب، فتلك خطوة وإن أتت متأخرة، إلا أنها تحتوي على كثير من المصداقية، ومنح كل ذي حقٍ حقه، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.

والسياسي الغربي لا يُحبذ المجاملة لا في السياسة ولا في الطبيعة، ناهيك عن أن السياسة في الأصل تعتمد بالدرجة الأولى على أسس بعيدة كل البعد عن العواطف أياً كان شكلها. لذا أعتقد أن القرار الذي وصلت له بريطانيا، الرامي لوضع حركة حماس «الإرهابية» على القوائم الطبيعية التي يستحقها هذا التنظيم المنبثق من تعاليم جماعة الإخوان المسلمين «المتطرفة»، لم يكُن مجاملةً لأحد، ولا استناداً على مشورة أحد، بقدر ما هو مبني على حقائق لمستها بالتأكيد إنجلترا.

وأعتقد أن حركة حماس التي تحتل قطاع غزة وتفرض سلطتها عليه دون اعتبار للحكومة المركزية بقيادة محمود عباس في الضفة، استهلكت جميع أوراق التأييد والتعاطف مع مشروعها، بمجرد أنها اختارت الطريق الذي رسم لها في طهران، التي تضع القدس هدفاً كبيراً لها، بينما لم تطلق ذات يوم، حتى لو رصاصة صوتية أو فارغة تجاه إسرائيل.

والأمر بالنسبة للجمهورية الإيرانية هو تحويلٌ لملف القضية الفلسطينية بعنوانه الكبير «تحرير القدس» من الدنس الإسرائيلي، لمجرد شعار يمنحها الفرصة ولا يعطيها الحق، بتربية ورعاية تكتلات شكلها الظاهر سياسي، بينما هي عبارة عن فصائل مسلحة ومتطرفة في وضح النهار؛ كميليشيا حزب الله في لبنان، وأنصار الحق الحوثية في اليمن، وبعضاً من المارقين في العراق، وبكل أسف، أخيراً حركة حماس.

يتبادر إلى ذهني سؤال، حول السلوك الحمساوي، هل هو من قديم الأزل، أم يعتبر طارئاً؟.

رأيي الشخصي يميل إلى أنه قديم الأزل، كيف؟. استناداً على أن حركة حماس هي ذاتها منذ عشرات السنين، من ناحية حرصها على الخصومة الفلسطينية/الفلسطينية.

وهذا يقود للنظر إلى رغبتها التاريخية في السلطة، وليس كما تدعي «مقاومة إسرائيل». صحيح أن الحركة ليست مؤثرة في سابق عهدها بالمشهد السياسي الفلسطيني، إلا أن ذلك تحول عكسي خلال العقود القليلة الماضية بامتلاكها قرار الحرب الانفرادي مع إسرائيل، من خلال صواريخها الكارتونية.

وهذا بحسب ما أتصور الذي دفع ولاية الفقيه لاستقطابها ووضعها ورقةً ضمن أوراق مشروع الثورة الإيرانية، تتحكم بها كيف ما تشاء. ما الدليل على ذلك؟.

نبرة الرد الإيراني الذي جاء على لسان وزير الخارجية أمير عبد اللهيان، على القرار البريطاني. يقول الرجل «ندين قرار بريطانيا إعلان حركة المقاومة الشعبية حماس منظمة إرهابية.

لا يمكن المساس بحقوق الفلسطينيين بتشويه وقلب الحقائق. الحل السياسي الوحيد يكمن في إجراء استفتاء بين جميع السكان الأصليين».

للوهلة الأولى سيتصور أي متابع أن صاحب هذا الحديث هو المعني الأول والأخير بالقضية. بينما خرجت حركة حماس ببيان ركيك في المعاني والمفردات، لكنه ذو مقاصد بعيدة. بدأته بالأسف الشديد ليس على القرار، بل على استمرار بريطانيا في غيٍ قديم، وجاءت على ذكر وعد بلفور والانتداب البريطاني الذي سلم الأرض للحركة الصهيونية، وذلك مناصرةً للمعتدي على حساب الضحية.

وبالتمعن في الصيغتين، يتضح أن الموقف الإيراني تجاه الخطوة البريطانية «المستحقة»، يحتوي بين السطور ومضامين معانِ المفردات، لغة المُتحكم ومالك القرار.

بينما كانت صورة حركة حماس متراجعة خطوة إلى الخلف، وذلك ما تؤكده المصطلحات المستخدمة في بيانها الذي من المفترض أن يكون استنكاريا. وبناء على شرح بعض المفردات التي تضمنها الصوت الإيراني والحمساوي، يمكن لنا فهم وإدراك أن حركة حماس التي سماها وزير الخارجية الإيراني «مقاومة شعبية»، مؤتمرةً كلياً لما يأتي من طهران، ولا تملك خيارا أكثر من تنفيذ الامتثال والطاعة، والانبطاح.

ويجب القول بأن الفكر السياسي الذي تمثله حركة حماس «الإرهابية» ذو عدة أنماط، منها ما هو ناكرٌ لمواقف الأشقاء، وما هو مُعتاد على الاذلال والتبعية. وبمثال على النكران، فلم تتوان يوماً بلادي المملكة العربية السعودية «حكومة وشعباً»، عن مد يد العون لا للشعب الفلسطيني ولا للكيانات السياسية، وهذا ليس منّة، إلا أن ذلك لطالما قوبل من الحركة وغيرها بعدم الوفاء والجحود.

وأما الشكل التبعي المُذل الذي انتهجته الحركة منذ سنوات، فيؤكده تأييدها لكيان إرهابي اسمه إيران، يتباهى بوضع يده على أربع عواصم عربية.

إن تظاهر الحركة ورموزها بطابع التدين هو من باب الكذب والافتراء والتزلف وخداع الجماهير العربية العريضة؛ وقد انفضح ذلك بعد انزلاقها تحت أقدام المرشد في طهران للتباكي على مقتل قاسم سليماني، مجرم الحرب الذي قتل آلاف من الشعب السوري وشرد الملايين، وحرض جماعةً متطرفة على قصف أقدس بقاع الأرض «مكة المكرمة» بصواريخ إيرانية، في خطوة أثارت استنكار العالم أجمع، إلا حركة حماس التي كانت مشغولة في تأبين مزيد من «شهداء القدس» من الإيرانيين.

أعتقد أن التاريخ الحمساوي يعجّ بمحطات من الأنانية، والعمالة والمتاجرة بالقضية.

لذا لا غرابة ولا إنكار لوضعهم في قوائم الإرهاب. وهذا أقل مما يستحقون. قاتلهم الله.