طوال مراحل الدراسة تنقلنا هنا وهناك، بين الحجاز ونجد والجنوب والشمال.. وكنت أظن أن هذا التنقل ابتلاء لأني كنت أتعب كثيراً من اختلاف العادات والأعراف، فإن قلنا نحن حضر عيرونا وقالوا لا يعرفون عادات العرب وتقاليدهم، وإن قلنا نحن بدو، قالوا أبناء صحراء لا يفقهون شيئاً ويحبون المبالغة والمظاهر، وإن قلنا نحن من سكان القرى، قالوا محدودي التفكير، ليسوا من أصل الجزيرة العربية، فسكان الجزيرة جميعهم بدو.

أتعبنا هذا الاختلاف كثيراً، فجميعنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وجميعنا أبناء أرض واحدة حتى إن اختلفت أراضينا، فنحن جميعنا بشر، خلقنا من طين، وليس لأحد منا الخلود.

أنا تعبت كثيراً في رحلة تنقلي مع عائلتي خلال 12 عاما، لم أتعب من الترحال، بقدر ما تعبت من التعصب القبلي، بقدر ما هزمني اختلافي في كل مدينة أنتقل لها.

كنت أحارب لأجل أن أكون، كنت أجتهد لكنهم هزموني عندما نظروا لي بأني غربية وأنا في وطني، وكانت الهزيمة الأكبر عندما قدموا غيري علي، لأني لست ابنة هذي المدينة وهي ابنتها وقد ورثتها ولم تجتهد لها.

هزمونا جميعاً ونحن في بلدنا عندما قالوا أنت شمالي، وأنت حجازي، وأنت جنوبي.. نحن جميعاً أبناء تربة واحدة، وأرض واحدة، ورب واحد. لكني تعلمت أن الجرح في الجنوب ينزف والشمال يضمده، الشرق يبكيه، والحجاز يداويه، ونجد تحميه.

تعلمت أنا جميعاً أبناء الصحراء ومواليد الجبال ونواخذة الشواطئ وحماة الحدود.

تعلمت أنّا نحن الرمل والشجر والصخر والبحر...

تعلمت أن دياري من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.

تعلمت، ومثلما تعلمت لا بد أن نعلم الأجيال القادمة:

نعلمهم أن صحراء بلادنا جنة في أعيننا.. وأن الأبيض والأسود والشمالي والجنوبي والحجازي والشرقاوي، جميعهم أبناء أرض واحدة وتربة واحدة.

علموا أبناءكم أن في الجنوب أحفاد أبوهريرة، رضي الله عنه.. وفي الشمال سلالة حاتم الطائي أكرم العرب.. وفي الحجاز أبناء عمومة أشرف الخلق محمد بن عبدالله ﷺ.. وفي الشرقية أبناء الشيوخ راكان بن حثلين وفيصل الدويش.. وفي نجد أبناء وأحفاد المؤسس الملك عبدالعزيز والمجدد محمد بن عبدالوهاب.

علموهم أننا في الصحراء ولدنا وفي الجبال تربينا وعلى شواطئ بلادنا كبرنا..علموهم أن الرياض من الشرقية والقصيم من الجنوب وحائل من الحجاز وأبها من الشمال..علموهم أننا جميعاً كرام وأبناء كرام. .