لم يكن مفاجئاً قرار أوبك بلس بالاستمرار في ضخ 400 ألف برميل يومياً بدءاً من يناير، بل جاء ليعكس متانة وثقة المجموعة بكفاءة أسواق النفط وقدرتها على امتصاص الصدمات كان أكبرها صدمة جائحة كورونا. ليس هذا هو الأهم، فالأسواق أخذت مجراها الطبيعي بعد انخفاض هو الأكبر في هذا العام بعد أن استوعبت خصائص المتحور الجديد أوميكرون وأثره المحدود على الاقتصادات. إن الأهم هو المعنى الأعمق لتأكيد العالم أهمية الوقود الأحفوري في رخاء وازدهار العالم من خلال اهتزازه ودخوله مرحلة عدم اليقين الذي كانت السعودية تؤكد عليه مراراً وتكراراً في أهمية أن يتعاون الجميع لاستقرار السوق النفطي. لا يعني هذا التخلي عن مسؤولية العالم في إيجاد بدائل متعددة للطاقة وتبني بدائل بحسب الوفرة والمواسم المناخية والطبيعية. فاستدامة جميع المصادر غير موثوقة، ولكن بدمج بعضها واستخدام مفهوم (خليط الطاقة) سيكون العالم في وضع أفضل لمواجهة تحدّي التغير المناخي واحترار كوكب الأرض.

تمضي دول العالم الآن خططها الطموحة بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة ومنتجاتها. تقنياً تواجه معظم دول أوروبا مشكلات متعلقة بالموارد الطبيعية لذلك فهي تستورد الغاز الروسي والنرويجي غير أن التحديات الموسمية تضيف عليها ثقلاً أكبر. وأعني هنا تحديات فصل الشتاء وازدياد الحاجة إلى التدفئة من جهة وتعويض كهرباء الرياح والشمس من جهة أخرى. ووفقاً لتقرير نشرته GlobalData فقد انخفض معدل مخزونات الغاز في أوروبا هذا الأسبوع بمقدار 60% وهو ما يؤكد ما عنيته في تحديات المواسم الأوروبية.

ولكن هناك في آسيا تتغير المعادلة، تقوم الصين وهي أكبر مستورد للنفط السعودي والبتروكيماويات السعودية بالتحوّل التدريجي للاكتفاء الذاتي الكامل أو الجزئي من منتجاتنا التي كنا وما زلنا نتميز بها لعقود طويلة. تتجه الصين حالياً إلى تشغيل 412 مصنع بتروكيماويات بين 2021 و2025 وهو ما يمثل 50% من المشروعات المستقبلية لقطاع البتروكيماويات في آسيا بحلول 2025.

تكمن أهمية آسيا بالنسبة للسعودية ودول الخليج في أنها السوق الأكبر، وعليه فإن تبديل محفظة منتجاتنا النفطية والبتروكيماوية هو الأولوية القصوى لضمان استمرار ضخ تلك المليارات إلى ميزانيتنا، فلم يعد التميز في التقنيات الأولية يقود الاقتصادات، بل التميز الفني والتقنية المتطورة والابتكار في علوم المواد والمنتجات التي يمكن صناعة قيمتها من خلال مصادرنا الطبيعية.

دعوني أعطكم لفتة سريعة عن تلك المشروعات الصينية، هناك 45 مصنعاً جديداً ستفتتح لإنتاج البولي بروبيلين في الصين، و39 مصنعاً للبروبيلين و29 مصنعاً للبولي ايثيلين. على سبيل المثال سينتج مصنع بروبيلين لونق-كو في شاندونق يولونق نحو 2.3 مليون طن سنوياً من البروبلين، والذي تم إكمال 25% من المشروع حتى الآن على أن يبدأ التشغيل التجاري في 2025.

على جانب آخر، شهدت السعودية قبل أيام توقيع اتفاقيات لتطوير حقل الجافورة الذي سيشكّل رافداً كبيراً للغاز حيث سيبلغ إنتاجه اليومي في 2030م نحو 500 ألف طن متري مكعب. وهو ما سيغطي 50%من احتياج السعودية من الطاقة على أن تتولى المصادر المتجددة الأخرى توليد بقية الاحتياج. تلت تلك الاتفاقية صفقة استثمارية في شبكة خطوط الأنابيب التابعة لأرامكو مع ائتلاف بقيادة شركة بلاك روك من أجل تأجير شبكة خطوط أنابيب الغاز التابعة لها على أن تبقى الملكية لأرامكو والهدف من هذه الصفقة بلا شك هو إدخال أكثر من 15 مليار دولار على خزينة أرامكو إضافة إلى رفع كفاءة الأنابيب. غير أن من نتائج هذه الصفقة هو فقدان المصانع البتروكيماوية والكيماوية بعضاً من ميزاتها التنافسية ما يجعلها تواجه واقع اقتصاد السوق لترفع كفاءة أعمالها وضبط معدلات أصولها العاملة.

وبين هذه التغيرات السريعة، قد لا تنعدم قيمة النفط والبتروكيماويات عالمياً، ولكننا بالتأكيد سنفقد قيمتنا التنافسية ما لم نتحرك بسرعة لخلق قيمة مضافة في منتجاتنا. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن بحاجة إلى تصدير المواد البتروكيماوية الخام؟ لا أعتقد أن هذا هو القرار الأصوب. فهناك شركات ناشئة ومتوسطة تنتظر الفرصة لتعظيم أثرها.