ولكن أصبح تقديس اللغة العربية من قبل متحدثيها يقود إلى مغالطات وحجج واهية، وغير منطقية، يستحدثها العرب في سبيل إقناع الأمة بل وإقناع أنفسهم بأن (اللغة العربية هي أفضل اللغات)، استنادًا على ارتباطها بنص القرآن المقدس، فبعض الادعاءات تنص على أن (لسان أهل الجنة عربي)، وهذا الحديث لا أصل له من الصحة؛ كما حكم عليه ابن الجوزي والألباني والذهبي بأنه حديث موضوع. فلم يرد ما يؤكد أن اللغة التي يتخاطب بها أهل الجنة هي العربية.
وعلاوة على ذلك؛ فقد لجأ بعض اللغويين العرب إلى مقارنة العربية مع اللغات الأخرى، كالإنجليزية لإبراز مفاتنها متجاهلين حقيقة أن لكل لغة سمات وعيوبًا بل وخصائص تمتاز بها عن غيرها، ففي أحد الكتب التي نُشرت مؤخرًا عام 2020، يدعي المؤلف أن (الإنجليزية أشبه ما تكون بالثوب المرقّع)، لكثرة اشتقاقها من اللغات الأخرى ومنها العربية. فهل الإنجليزية بالفعل تستحق هذا الوصف الفظ للرفع من شأن العربية؟، هل نحن العرب بحاجة إلى التقليل من قيمة لغات الشعوب الأخرى، حتى يبرق سنا عربيتنا التي احتلت مكانتها المتميزة بين اللغات دون اعتداء على نظيراتها؟. كما يزعم الكاتب أن للعربية أعداء ومتربصين يسعون إلى الحيلولة بينها وبين الناطقين بها وطمس هويتهم وإماتة ثقافتهم، فهم جادون في تشويهها و«إخراجها من الحياة»، ويجب علينا مجابهتهم والنيل منهم بالتسلّح بلغتنا وعدم التنصل منها. بطبيعة الحال، وإن كنت ضد التحدث باللغات الأخرى في غير موقفها الصحيح، إلا أن هنالك حاجة ماسة إلى تعلم لغات وثقافات الشعوب وإتقانها كناطقيها، ولا ضير في ذلك إن استخدمت هذه اللغات في نطاق محدود وضمن ما تدعيه الحاجة لأغراض مختلفة، دراسية كانت أو تجارية داخل البلدان العربية. فذلك ليس بمؤامرة وليست تشويهًا للغة الضاد ولا داعي لتضخيم الأمور وكأننا بساحة معركة نخوض حربًا للحفاظ عليها.
فاللغة العربية لم تندثر ولم تمُت ! بل هي مهيمنة بلهجاتها المختلفة، وما زالت تتمتع بالمكانة ذاتها، والمنزلة التي حظيت بها منذ نزول القرآن الكريم، فهي ليست بحاجة لمن يحييها، بل لمن يسمو بها وبثقافتها وهوية ناطقيها بما يليق بهم، بعيدًا عن شنّ حرب لا أصل لها بينها وبين بقية اللغات. هي بحاجة لمن يجعل منها لغة للتعليم والبحث العلمي والمعاملات الرسمية والإعلام في بلاد العرب، فهي الفكر والحضارة والتراث، وجوهر العقيدة الإسلامية والتاريخ العربي.