هذا السؤال طرحه الإعلامي عبدالله المديفر على الحضور مساء يوم الخميس (9 ) ديسمبر 2021 الموافق (5) جمادى الأولى -١٤٤3 وكنت أحد الحاضرين في تلك الجلسه التي تشبه الندوه الثرية بالنقاش والتي رعاها صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير في مخيم سموه في الجُرَّه بناحية شعف شهران.

كان الحاضرون جمعاً من ذوي الفكر والتاريخ والرأي والدرجات العلمية الرفيعة وممن لهم باع في السياحة والإعلام وكانت جلسة مفيدة استقى فيها الجميع من بحر الثقافة والمعرفة والتاريخ الذي يمتلكه ذلك الموسوعة الأمير تركي بن طلال .

لم يتفاعل الحاضرون في البداية للإجابة على سؤال الإعلامي الأستاذ عبدالله المديفر ( ماذا تبيع عسير للسياح؟) وساد الصمت رغم وجود نخبة من الدكاترة والأساتذة المتخصصين ولديهم من الخبرة ووضوح الرؤية للتفاعل مع السؤال ما لا يوجد عند غيرهم من الحاضرين، ولعل السبب مفاجأة طرح السؤال أو لاستغرابهم لصيغته أو لعدم وجاهته في نظر بعضهم أو لانتظارهم التعليق أو الإجابة عليه من سمو الأمير الذي صمت وآثر إعطاء الفرصة لمشاركة الجميع في الحوار كعادة سموه حفظه الله .. مما دفعني بعد قليل من الانتظار إلى قطع الصمت الذي ساد بعد طرح السؤال وكان هدفي فتح طريق الإجابة والنقاش، فأجبت على السؤال ببعض الجمل لعل أحد الحاضرين ينبري للإجابة ويأخذ الدور ومع ذلك استمر تبادل النظرات بين الحضور وكأن كلا منهم يريد أن يعطي الآخرين فرصة للإجابة إما تقديراً لكبر السن أو لمن هو مختص في السياحة في عسير ويعرف تاريخها في الماضي والحاضر وما تحتاجه في المستقبل أو لأن بعض الحضور مثلي لا يملك إجابة شافية ترضي تعطش السائل لإعطاء جواب شاف ... وفي هذا المقال سأستعرض الإجابة على هذا السؤال من وجهة نظري مضافاً إليها ما أتذكره من مداخلات الآخرين ... ولعلني أبدأ بالقول بأن عسير لا تبيع سياحة ولكنها تستضيف وتستقبل أبناء الوطن كعادتها في كل عام ، حيث يقوم أهل عسير بتقديم فنون الاستقبال والوفادة دون مقابل تحت شعار "مرحباً ألف" ثم طوروا هذا الشعار ليكون مرحباً ملايين. إنهم يقدمون خدماتهم للضيوف والزائرين ومنها الفزعة والكرم والجود دون بيع أو شراء حتى وإن كان ذلك بالمصطلح السياحي المجازي، ولعلنا نشير إلى أن مما تقدمه عسير لزوارها مجتمع في عدة عناصر رئيسيه هي ركائز الجذب السياحي وتتعلق بالإنسان والطبيعة والمناخ والاقتصاد والعادات والتقاليد والتاريخ الحضاري والفنون المعمارية والحرفية .

ففيما يتعلق بالإنسان فإن عدد سكان منطقة عسير يصل إلى مليونين ومائتي ألف إنسان ومن طباع وصفات سكان منطقة عسير البساطة والترحيب بالضيوف وإكرامهم وهذه عادتهم منذ الأزل، وإذا صادف أحدهم رجلاً أو أسرة في حماه أو منطقته المحلية أو قرب بيته رحب بهم بمجرد أن تلتقي النظرات ويقدم لهم دعوة الدخول إلى بيته لغرض إكرامهم وإن كان ذلك الغريب في حاجة إلى فزعة أو مساعدة فإن المُضَيِّف العسيري لا يتأخر في تقديمها له .. ولعل من خالط أو تواصل مع أي من سكان منطقة عسير يرى ويكتشف بساطتهم وصدقهم وأمانتهم وتفانيهم في تقديم أي خدمة لمن يزورونهم بل وتقديم الحماية والأمن لهم ولهذا السبب وغيره فإن سكان منطقة عسير منذ زمن ما قبل إنشاء الدولة السعودية الثالثة يحملون سلاحهم الشخصي باستمرار لأسباب كثيرة منها حماية الضيوف والعابرين ولحماية الذات والممتلكات من أي اعتداء من الإنسان المعادي أو الحيوانات المفترسة التي كانت تتواجد بكثرة في عسير مثل الذئاب والضباع والنمور العربية في حين أن هناك مناطق من العالم جميلة ورائعة سياحياً ولكنها غير آمنة فلا يقترب منها أحد . لقد اعتبر الآباء والأجداد في منطقة عسير حمل السلاح في الماضي مظهراً من مظاهر فرض الأمن ، أما في الزمن الحالي فقد وفَّرت الدولة أعزها الله الأمن والأمان لجميع أبناء الشعب السعودي فصار السلاح زينة يتمنطق به الرجال في الحفلات الوطنية ويؤدون به الرقصات والعرضات والأهازيج الشعبية وهذا ما يرغب السياح في رؤيته . إن العامل المتعلق بإنسان منطقة عسير جعل زوار المنطقة من الداخل والخارج يرون فيه عامل جذب سياحي مميزا لما يتميز به هذا الإنسان من حسن الخلق والكرم والوفاء والشجاعة. أما العامل الآخر المهم الذي تقدمه عسير للسياحة فهو ما وضعه الخالق في هذه المنطقة من جمال للطبيعة وأجواء رائعة وأخَّاذة فمناخها مناسب للسياحة في كل فصول العام وخاصة ما يعرف بالسياحة الصيفية والشتوية، أما في مجال مقومات السياحة الطبيعية فنجد فيها البحر والجزر والجبال والسهول المغطاة بالأشجار وخاصة أشجار العرعر وغيرها ونجد في شرقها الصحاري والجبال والسهول والروضات التي يُخَيِم فيها الكثير من أبناء الشعب السعودي في الصيف وفي الشتاء وتشتهر منطقة عسير بوجود الكثير من الأودية والسدود والتي غالباً ما ينتشر العمران والزراعة على جوانبها مثل سد وادي أبها وسد وادي بيشة وسدود أودية سراة عبيدة وسدود بلاد رجال الحجر وسدود تهامة عسير وقحطان وشهران وسد وادي عتود وسد وادي تندحه إضافة إلى عشرات الأودية والسدود الأخرى. إن من مزايا جبال منطقة عسير أن كثيرا منها مناسب لرياضات التسلق إضافة إلى وجود مئات الكهوف فيها والتي كان البدو في الماضي يستغلون الكثير منها إما لسكنهم أو لحفظ أغنامهم في الليل من أخطار السيول والسباع والذئاب . إن هذه عوامل جذب تقدمها عسير لزوارها ، ومن الملفت في منطقة عسير أن بها عشرات المدن ومئات البلدات وآلاف القرى والهجر الجاذبة للسياحة وكل منها له قصة وأحداث في التاريخ ، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود أكثر من (4000) قرية تراثية في عسير ولعل من المفيد بأن نوضح بأن مساحة منطقة عسير تصل الى (80000) كلم مربع ولها على البحر الأحمر شواطئ تصل في طولها الى ( 140 ) كلم . وهذا الشاطئ يلبي رغبة المصطافين الذين يرتادون الشواطئ والجزر والبحر فهذه ميزة أخرى متوفرة للسياح في شواطئ منطقة عسير على البحر الأحمر والتي أنشئ فيها بجهود سمو أمير المنطقة ودعم سمو ولي العهد حفظهما الله كورنيش الحريضة الشهير الذي يعتبر من أفضل ما عمل على مستوى المملكة. لقد تم ربط مناطق عسير في تهامة والسراة بسلسلة من الطرق التي أزالت المعاناة الحقيقة في التنقل براحة وأمان لإنسان هذه المنطقة وزوارها والسكان ينتظرون المزيد من الطرق الرابطة بين السراة وتهامة لأن الموجود لا يكفي لتحقيق الطموحات المستهدفة التي تواكب النهضة التنموية والمتطلبات الأمنية في المنطقة، وبالتالي فعامل الطبيعة ولوحاتها الجمالية الفنية الطبيعية أبهرت وأطربت وأسعدت سياح المنطقة وزوارها والمصطافين عبر السنين فشَدَوا بطروق إنشادها السكان وتغنى بها في الماضي الركبان وصدح بها أهل الأغاني والطرب في هذا الزمان.

أما عامل الجذب السياحي في مجال العادات والتقاليد فهو عامل محبب وممتع لكل من زار المنطقة في الماضي والحاضر ، فهناك فلكلورات شعبية وفعاليات مختلفة للأعراس والأفراح والفزعات والمواليد وكانت هناك في الماضي طقوس للحرب والقتال.

إن تقاليد الكرم والجود،وتقاليد الفزعة والحماية، وتقاليد الزواج والسموة وغيرها، إضافة إلى تقاليد الاستقبال والضيافة وتقاليد حل المشاكل والجنايات والجيرة والمجابرة في زمن الشدة والرخاء فهي أصيلة ومتجذرة في منطقة عسير كأصالة أبناؤها، أما أشكال الفنون الشعبية التراثية فحدث ولا حرج ومن أنواعها ما هو خاص بالرجال مثل العرضة والقزوعي والدمة واللعب الشهري والبيشي والقلطه وغيرها كثير، ومن الفلكلور الشعبي ما هو خاص بالنساء وتشترك فيه مع الرجال مثل الخطوة والزحفة وغيرها، وهناك رقصات بالسلاح، والطروق والأهازيج والأغاني الشعبية بكل أنواعها وفنونها تجذرت عبر القرون . أما عادات وأشكال ونوعية وطراز البناء الذي يبنى في الماضي فهو من الطين ( اللِبن أو المداميك) أو من الحجر أو من كليهما بما يسمى في العرف " البيت المنطف" لطابق واحد أو لعدة طوابق وميزة إدخال الحجر الحماية من عوامل التعرية والأمطار ويتم تزيين البيوت من الداخل بالصهار من الجص الأبيض والقطة العسيريه ومن الخارج بما يعرف بالنورة البيضاء ..أضف إلى ذلك عامل جذب سياحي آخر وهو فنون الزراعة والفلاحة والبستنة وكيفية تنفيذ مواسم حصاد المحاصيل المختلفة ورعي وتربية المواشي والطيور ... كلها عناوين سياحية وبنائيه تحتاج إلى مجلدات لتسجيل آلياتها وفنونها وأهازيجها التي يشدو بها إنسان منطقة عسير ليترجم تجاربه الإنسانية ذات الصيغ الفنية التي تتهيج منها وبها عاطفته ووجدانه .. كل هذه العناوين يقدمها أهالي منطقة عسير للسياحة والسياح ويعرضونها للباحثين عن الثقافة العسيرية ولكنها لا تباع لأنها ثقافة والثقافة تكتسب ولا تباع ... يقول سكان منطقة عسير " ليس ذنبنا أن لا يعرف البعض داخل الوطن عن ميزات عسير ولا يعرف الكثير خارج الوطن التراث والثقافة في عسير ، فذلك بسبب قصور بل فشل إعلامي كبير في نشر ذلك التراث الحضاري والسياحي العظيم لهذه المنطقة وهذا مطلب لنجاح السياحة ليس في عسير فقط بل في كل مناطق المملكة ولا شك بأن إقفال محطة تليفزيون أبها منذ التسعينات هجريه قد أثر بشكل سلبي كبير على نقل الصور الجميلة للسياحة في عسير وعودة تشغيل محطة أبها التليفزيونية مطلب من مطالب التنمية والسياحة في هذه المنطقة خاصة وأنها قائمة بأجهزتها وموظفيها. أما المطلب الثاني فهو بلا شك تطوير الطرق بين جميع مناطق عسير وخاصة بين تهامة والسراة وفتح عقبات ربط جديدة مع إيجاد البنية التحتية الجاذبة للسياحة طوال العام وعند تحقيق تلك المطالب ستنتعش الحركة الاقتصادية في عسير حتى يصل الدخل المحلي إلى المستوى المرضي .. إننا نكرر بأن حل المعضلات السياحية يحتاج إلى إستراتيجية تطويرية ذات أهداف واضحة ( إستراتيجية تطوير منطقة عسير المعلنة التي أطلقها سمو ولي العهد) . إنها تحتاج إلى آلة إعلامية ضخمه لشرح أهداف تلك الإستراتيجية وتسويقها مدعومة بالخبرات ورؤوس أموال استثمارية كبيرة لإبراز قدرات وإمكانيات هذه المنطقة وإظهار مفاتنها السياحية بشكل مستمر وعبر السنين القادمة. وهذا ما أدركه صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير فسعى بقوة وبدعم وتأييد من سمو ولي العهد لبناء إستراتيجية تطوير منطقة عسير والتي أطلقها سمو ولي العهد في شهر صفر (1443هـ) بمبلغ (50) مليار ريال ، وهذا رأس مال كبير ويرجى أن تكون عسير بعد تنفيذ هذه الإستراتيجية قادرة على استقبال (10) ملايين سائح سنويا، وهذا يعني حل جميع المعوقات التي كانت تمنع السياحة في عسير من الوصول إلى العالمية .. وتحقق الإجابة الدقيقة لسؤال الإعلامي الكبير الأستاذ عبدالله المديفر " ماذا تبيع عسير للسياح ؟ ." بعد تعديل صياغته إلى " ماذا تقدم عسير لزوارها ؟ . " .