يعد التعليم «عن بُعد» من الأنماط التعليمية المهمة، التي تولتها وزارة التعليم خلال هذه الفترة الحرجة التي يمر بها العالم بسبب جائحة «كورونا»، وتحقيقا للاحترازات المطلوبة، للحد من انتشار المرض، ولمواكبة التطورات والتغيرات العالمية في المجالات العلمية والتربوية والتكنولوجية. وفي هذه الظروف الاستثنائية، تواجه الأسر تحديا جديدا من نوعه، يتمثل في كيفية التعامل مع سلوكيات الأطفال المتغيرة بسبب وجودهم بشكل دائم في المنزل، مما سبب للأطفال والكبار بعض الضغوط في كيفية فهم كل منهم الآخر، وكيفية متابعة تعلمهم الإلكتروني بأفضل ما يمكن من طرق دون استخدام العنف أو إجبار الطفل على القراءة دون رغبة منه أحيانا، خصوصا في ظل غياب المعلم وسلطته في هذه العملية.

وعلى الرغم من أن كلا من الوالدين والمدرسين يعملون معا على خدمة الأطفال، ويشتركون في الكثير من القدرات والصفات، فإن هناك فروقا مهمة بين علاقة كل منهم بالطفل، فنجد أن المشاعر القوية التي يحملها الآباء لأبنائهم تجعلهم أكثر استعدادا للخضوع لانفعالات الأطفال أكثر من مدرسيهم، فالمدرس على الرغم من اهتمامه بالطفل وعنايته له، فإن هذه العناية تكون موزعة على الجميع بشكل متساوٍ، وأكثر موضوعية في تقييم سلوك كل طفل والتعامل معه.

ويحتاج الوالدان إلى معلومات أساسية عن تطور وتوجيه الطفل، بالإضافة إلى مهارات توجيهية محددة، كي يكونوا مؤثرين في نظام توجيه الطفل، لذا فمن الضروري الإلمام بمراحل تطور الطفل، كي يتمكنوا من فهم قدرات أطفالهم وحدودهم في مختلف المراحل، وهذا يساعد الآباء والأمهات على ممارسة التوجيه بأسلوب واقعي.

على سبيل المثال، فإن الأب الذي يحس بالإحباط أو خيبة الأمل حين يجد طفله لم يستطع أن ينفذ التعليمات التي تتضمن تفاصيل عديدة، يحتاج إلى معلومات تتعلق بتطور الذاكرة عند الطفل، وعندها سيدرك أن الطفل لا يستطيع تذكر عدة معلومات في الوقت نفسه، في حين أن المعلم كان من الممكن يعلمه هذا السلوك بطريقة مبسطة وسهلة وفق تطور قدراته العقلية.

لذا كان لا بد من بعض التوجيهات لكيفية التعامل مع الطفل، وكيفية تعديل سلوكه في المنزل، للإسهام في فهم كيفية التعامل مع الأطفال، وتسهيل عملية التعلم الإلكتروني، وذلك بمعرفة تأثيرهما على احترام الذات لدى الطفل، ومعرفة مهارات التفاعل المحددة التي تساعد على تنمية احترام الذات الإيجابي لدى الطفل، مما يجعله أكثر قابلية لاستيعاب ما يقدم له من معلومات، ومنها إشراك الطفل في وضع قواعد سير الحياة في المنزل وتنظيم الوقت، مما يؤدي إلى زيادة التزامه بها، وعدم إذعانه لها، ابتداءً من مرحلته العمرية المبكرة، التي تبدأ من سنّ أربعة أعوام، ثم التعزيز الإيجابي للسلوك الصحيح إذا تصرف الطفل تصرفا صحيحا بالتعبير عن الامتنان والشكر له، وعدم تأجيل هذا، لأن تأخير رد الفعل قد يؤدي إلى تلاشي هذا السلوك المرغوب فيه مرة أخرى.

أما إذا أخطأ الطفل أو سلك سلوكا غير مقبول، فنعوده على تصحيح أخطائه بنفسه، حتى يشعر بأن هذا السلوك خاطئ، وسيتعب لإصلاحه، وسؤاله عن رأيه بشأن كيفية إصلاح هذا الخطأ، ليزداد شعوره بالمسؤولية، وتزداد قدرته على التفكير واتخاذ القرارات الصائبة، وعدم الشعور بالضجر أو الإحباط من البداية، فتعديل السلوك يحتاج إلى الصبر وسعة الصدر، خاصة في الأيام الأولى.

ففي البداية، قد يصبح سلوك الطفل أسوأ مما هو عليه من قبل، وهذا أمر طبيعي، وقد يستمر ذلك لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما يبدأ السلوك بالتحسن تدريجيا.

لذلك، فإن الثبات والصبر مهمان جدًا في هذه المرحلة، وفي حال تكرار السلوك الخاطئ مرة أخرى يجب استخدام مبدأ التعقل في العقاب، وهو أن ننشط ذاكرة الطفل بالقوانين، ونذكره بها، وتحديد السلوك غير المقبول الذي يحتاج إلى تعديل والبُعد عن العقاب، مع العلم أن لكل طفل مدخله الخاص به، الذي يستجيب من خلاله لتغيير سلوكه غير المقبول.

ويجب الانتباه جيدا إلى التفرقة بين شخصية الطفل، وبين ما ارتكبه من سلوكيات، وألا ننهال عليه بالزجر والشتائم، وربما الضرب، لأن هذا سيؤدي إلى تحطيم شخصيته، وخفض معنوياته، وثقته في نفسه، ونمتنع عن استخدام العبارات مثل «أنا لا أحبك - أنت غبي أو سيئ»، بل يجب التحدث مع الطفل حول سلوكه الخاطئ، وما ننتظره منه، عوضا عن ذلك، ولفت نظره في كل مرة يكرر فيها هذا السلوك، والتأكد من فهم الطفل ذلك، وتلقيه الإرشادات أو التعليمات، ونحدد له ما الذي يتوقع منه من سلوك مناسب في مواقف معينة، بحسب عمره وقدرته على فهم ما يقال له.

وما لا شك فيه أن بعض الحنان من الوالدين من الممكن أن يؤثر بشكل كبير على سلوكيات الطفل، فإظهار حب الوالدين للطفل لا يعيب شيئًا، بل بالعكس يساعد على تهيئة الطفل للأفضل، ويُشعره بالأمن النفسي، مما يزيد من فرص تكوين الشخصية الإيجابية المرغوبة.