تنبئ مشاهد متاجر مهجورة، وشوارع شبه مقفرة في بلدة «فالندوفو» بمقدونيا الشمالية بواقع الحياة فيها، بعد أن غادرها شبابها بأعداد كبيرة، أملا في حياة أفضل في الخارج.

وعلى غرار العديد من المناطق الفقيرة في جنوب شرق أوروبا، تجلس هذه الدولة البلقانية الفقيرة على قنبلة ديموغرافية موقوتة، تغذيها شيخوخة السكان، وتراجع نسبة الولادات والهجرة الجماعية.

خسرت مقدونيا الشمالية 10 % من سكانها في السنوات العشرين الماضية، بينما قرابة 600 ألف مقدوني يقيمون حاليا في الخارج، وفقا لأرقام البنك الدولي والحكومة.

في حين سدد تدهور النمو الاقتصادي وانعدام الاستثمارات ضربة لهذا البلد، البالغ عدد سكانه حاليا 1.8 مليون نسمة، خلال 30 عاما من استقلاله.

ويقول مدير مكتب الإحصاء الوطني، أبوستول سيموفسكي: «إذا كان عدد سكان بلد ما 2.4 مليون نسمة، وغادر أكثر من ربعهم، فلا بد من القلق إزاء ما يحصل».

وتوفر قرى وبلدات صغيرة مثل «فالندوفو» (164 كلم عن العاصمة) القليل من الوظائف، مما يدفع بمن لديهم الطموح، والقدرة على البحث في أماكن أخرى.

ويقول رئيس البلدية المنتخب حديثا، بيرو كوستادينوف، البالغ 33 عاما، لوكالة «فرانس برس»: «معنويات الشباب دُمرت بشكل منهجي»، مضيفا: «فُقدت الحماسة للكفاح والبقاء في الوطن».

في «فالندوفو» وحدها ترتبط مداخيل أكثر من 90% من الأهالي بالزراعة، القاسم المشترك في أنحاء مقدونيا الشمالية.

ويشير العضو بالمجلس البلدي الشبابي في «فالندوفو»، بويان نيكولوف (24 عاما): «5 من زملائي في فصل دراسي من 20 طالبا سافروا إلى الخارج مع عائلاتهم».

تقدم هذه الروايات صورة واضحة عن مستقبل هذا البلد.

«السخرة في الخارج أفضل»

تقدر الأرقام الأولية لآخر إحصاء سكاني أجري بمقدونيا الشمالية في سبتمبر أن عدد السكان تراجع بأكثر من 200 ألف نسمة منذ 2002.

فمنذ الاستقلال، وتفكك يوغوسلافيا في 1991، أمل كثيرون في أن يقدم الانضمام للاتحاد الأوروبي خشبة خلاص ووعود بمستقبل أكثر إشراقا، غير أن مقدونيا الشمالية في طريقها نحو عضوية الاتحاد الأوروبي تعرقلت عدة مرات، أولا من اليونان ثم من بلغاريا، مما أثار شكوكا جديدة حيال مسألة الانضمام من عدمه، ودفع بكثيرين إلى التخلي عن آمالهم.

وبالنسبة للذين قرروا البقاء، فإن متوسط الراتب الشهري يبلغ 470 يورو (530 دولارا).

ويتردد قول في مقدونيا الشمالية مفاده «عمل السخرة مقابل 2000 يورو في بلد أجنبي أفضل من السخرة لقاء 300 يورو في الوطن»، ويتكرر هذا الواقع في أنحاء البلقان.

ويقول أستاذ الاقتصاد في العاصمة الألبانية (تيرانا)، إيلير غيديشي: «جميع دول غرب البلقان تأثرت بدرجات متفاوتة جراء الهجرة».

ويوضح: «الأسباب الرئيسية اقتصادية، لكن عدا عن ذلك، فإن الأسباب الاجتماعية تحتل حيزا مهما متزايدا».