تشير وثيقة الضمان الاجتماعي «المطور» في نسختها الجديدة، إلى بعض من تفاصيل المستحقين وأهداف البرنامج وشروط الاستحقاق وموارده المالية، علاوة على ما يلحق بذلك من عقوبات وأحكام في حال عدم الالتزام بمضمون البرنامج ومتطلبات استحقاقه وآلية صرفه، في حين أنها لم تتضمن بوضوح، التفاصيل الخاصة بالمطلقات، سواء من حيث السن المحددة لاستحقاقهن، أو اللاتي يسكن مع ذويهن واللاتي حرمن من حقهن في استلام مخصصاتهن السابقة، باعتبارهن تابعات لأسرة، سواء كانت تلك الأسرة مستحقة للضمان أو لم تكن كذلك؛ وعليه فإن هؤلاء المطلقات لن يصرف لهن راتب الضمان السابق (1100 ريال) لكونهن يسكن ضمن أسرة، بل انخفض المبلغ إلى 550 ريالا كتابعة في الأسرة المشمولة بالضمان، أما في حال كونها تابعة في أسرة غير مشمولة بالضمان، فإنها تحرم من مستحقاتها السابقة تماماً، رغم قسوة ظروفهن الأسرية، وما يعيشنه من ضغوط نفسية واجتماعية تؤثر في اندماجهن بالمجتمع.

يستهدف النظام المطور في نصه الرسمي، الفئات الأشد حاجة في المجتمع، بغض النظر عن التصنيف السابق للحالة الاجتماعية، كما تضمن تمكينهم من السعي لتحقيق الاستقلال المالي ودعمهم للتحول من أفراد محتاجين إلى منتجين، مع رقابة عالية ومتابعة مستمرة لتحقيق أهداف النظام.

أهداف استحقاق الضمان الاجتماعي الموجه نحو الفئات الأشد حاجة، فيه من الإيجابيات النظرية الكثير، ولكن السؤال، لماذا استثنيت المطلقات اللاتي يسكن مع ذويهن من مستحقاتهن؟ أو بتخفيضها إلى النصف، رغم اهتمام النظام بالسعي نحو تحقيق الاستقلال المالي لهن، ليكن منتجات وينخرطن في المجتمع.

على الرغم من تضمين النظام إعداد خطة تأهيل لكل مستحق قابل للتأهيل وفق ما تحدده اللائحة من شروط السن والمؤهلات واللياقة الطبية ونحوها، والتكفل بتقديم خدمات البحث عن عمل لكل مستحق قادر على العمل، مع المتابعة المستمرة؛ للتحقق من مدى تأهيلهم وفقا للخطة، ومدى جدية القادر على العمل في بحثه عن عمل وقبوله عروض العمل والتدريب المناسبة، فإن الاتجاه نحو الحرمان من المستحقات السابقة بنظامها القديم، وبما يلحقه من تبعية للبعض أو تخفيض المبلغ؛ سيعيق إمكانية تحقيق الهدف الأهم من النظام المطور، وهو «التمكين» والقدرة على الإنتاج الذاتي والتأهل للاستقلال المادي الفعلي بما يسهم في تقديم الدعم للأسرة جميعها.

توفير الدعم المادي مطلوب ليس للمطلقة والأرملة التي تسكن مع أسرتها فحسب، وإنما لكل امرأة أو فتاة كبرت ولم تتزوج، أو يتيمة تعيش ضمن أسرة محدودة الدخل ولا تعمل؛ لتوفير أدنى متطلبات الحياة، لأن كثيراً من هؤلاء يفتقدن مستوى مناسبا من التعليم والتأهيل، وبالتالي فإن فرص العمل المتاحة لهن جدا محدودة، علاوة على ما قد يتعرضن له من ممانعة أسرية ورفض لبعض فرص العمل التي قد تتاح لهن، بسبب ظروف العمل أو بيئته أو نوعه، والتي ما زالت القيود الاجتماعية والأسرية تتحكم فيها.

ومن جانب آخر فإن صرف المبلغ المخصص للأسرة، عبر أحد أفرادها كعائل يمثل الأسرة، وهو في الغالب الأب أو الأخ، كثيراً ما تحصل فيه اختلالات كبيرة وعدم عدالة في صرف المستحقات، والتي منها أن الأسرة بكاملها قد تحرم منه، بسبب سوء إدارة العائل أو استئثاره بالمبلغ لنفسه من دون استشعار مسؤوليته نحو أسرته.

السؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا تصرف المستحقات جميعها للعائل؟ وليس لكل فرد من الأسرة من البالغين على حدة عبر حساباتهم البنكية؟ خصوصا في ظل ما نعيشه من إصلاحات وتطوير في جميع ما يتعلق بالأحوال الشخصية والحقوق المدنية، وما لحقها من تشريعات وأنظمة تحول دون وقوع مثل تلك الاختلالات والتعديات على المستحقات.

صحيح أن النظام يتضمن عقوبات على من لا يلتزم بالنفقة لمستحقيه، كما يتيح إمكانية تغيير الولي أو العائل بأمر قضائي أو بمراجعة من أفراد الأسرة، ولكن مع الاطلاع والمتابعة لكثير من الحالات المتضررة، ومع تفهم ظروفنا الاجتماعية وما نؤمن به من قيم وعادات، فإن كثيراً من هؤلاء المتضررين/ات يتحرجون من مراجعة المحاكم أو التقدم بشكوى ضد عائلهم أو وليهم، إضافة إلى ما قد يتولد عن تلك المواقف من منازعات وخلافات أسرية لا تحمد عقباها.

إيقاف صرف المستحقات للمطلقات اللاتي يسكن مع أسرهن، لا يبرره تعريف الضمان الاجتماعي لمفهوم الأسرة وأن المسكن هو أحد أهم أركان تعريف الأسرة وأحد أهم مكوناتها، فذلك قد يكون مفهوماً نظرياً في كثير من الحالات، فكم من بيوت هشة يجتمع تحتها أفراد تمزقهم الخلافات والتناحر، وكم من أسر لا تشعر بدفء المسكن وحصانته وأمانه بسبب ما يحدث فيها من تعديات وعنف مستمر! تحديد دخل الأسرة بشفافية ونزاهة، لم يعد أمراً معقداً أو غير ممكن، خصوصا في ظل ما نعيشه من تطور في الخدمات الحكومية والتطبيقات الإلكترونية الرسمية، والتي يمكنها كشف جميع الممتلكات والمستحقات والأصول والدخل لكل فرد، وعليه يمكن حصر المستحقين للضمان وغير المستحقين. توفير الدعم المادي للمستحقين للضمان الاجتماعي مطلوب استمراره بآلية مطورة في الدفع وبدقة في حصر المستحقين، بما يعزز سلامة المجتمع ويضمن أمنه الأسري، في ظل متطلبات الحياة وغلاء المعيشة، والذي لا يسد عنه توفير فرص التدريب والتأهيل الممكنة؛ وليس في ذلك دعوى إلى الاتكالية، وإنما لا بد من استمراره حتى التأكد من تحول الحالة لمرحلة الإنتاج الفعلي ووجود دخل ثابت يستند عليه.