للشعر العامي في كثير من البلدان العربية مسارات تتفاوت بين محاولات لربط العاميات بالعربية الفصيحة وآخر لنفي الصلة، وغالب كل من المسارين له حجج وإحالات لمصادر الشعر العامي، كما يتداول في الأوساط القبيلة في أغلب البلاد العربية، ويسمه البعض بالشعر الشعبي، ولا ضير إذا كان الشعب العربي يفهم معانيه ومراميه، إلا أن واقع الحال لا يدعم كثيرا هذا التوجه بسبب اختلاف اللهجات في البلد الواحد، ناهيك عن كل البلدان التي تتكلم العربية فصيحة أو عامية أو محكية.

أغلب الشعر العامي مناط السير فيه لا يخرج في غالبه عن المفاخرة والافتخار بالقبيلة والقبائلية والانتشاء بأمجاد ماض تولى أو حاضر تجلى بعض ما دار ويدود الشعر العامي الشعبي حتى لا يجفل شعراء العاميات هو في تجلية وافتخار بالكرم والشجاعة في الغالب الأعم، ومحاولات بعض الشعراء سلوك نهج الإصلاح بين المتخاصمين في القبيلة أو القبائل، وهؤلاء لهم تقدير واعتبار مجتمعي، أما شعر شعراء مثيري الفتن والشغب فليس لهم من الحظوة لدى العقلاء.

هنالك نمط من الشعر القبائلي يتركز في المدح للقبيلة أو القبائل والزعامات والمشيخات، وظني أنه الغالب، وأعتقد أن ما جاء منه دون انتظار عطاء مالي هو الأكثر تقبلا واستحسانا، ولا يمنع أن بعض الممدوحين يرد بعطاء مالي.

اقتنيت من معرض الكتاب الدولي بالرياض الأشهر الماضية كتابا لفت نظري لشاعر من شعراء الشعر الشعبي –العامة– هذا الكتاب عنوانه (قال إن خٌرمان – مقالات في الأدب الشعبي)، صادر عن مكتبة المتنبي في الدمام 1442هـ، هذا الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات في الأدب الشعبي سطرها العميد الركن المتقاعد علي بن ضيف الله بن خٌرمان الزهراني، وقد أبلى الرجل وهو صديق أعتز به؛ فهو من الذين يحسنون الظن ببعض مقالاتي..

أهدى الكاتب عمله هذا لحفيده وسميه ابن ابنه حاتم، مع أمنيات أن يجد الحفيد وجيله ما يفيد في فهم التراث موروث الأجداد.

وأبان ابن خرمان في هذه المقالات تصنيفات للشعر في قبيلتي غامد وزهران، وشرح بعض كلمات القصائد ومقارنتها بما يلائمها من الشعر الفصيح، «حيث إن لهجة أهل المنطقة تعتبر من أقرب اللهجات إلى الفصحى»، مستشهدا بإحالات إلى الأستاذ حمد الجاسر وفق ما جاء في كتابه في سراة غامد وزهران وغيره، كما نشر قصائد مختارة لعدد من شعراء قبيلتي غامد وزهران، لكن فضل العميد بن خٌرمان اتصل ليصلني منه كتاب ألفه عن شاعر مشهور في قبيلة زهران وأسماه (صالح اللخمي – حياته – شعره)، صادر أيضا عن مكتبة المتنبي بالدمام 1439هـ، أهدى الكتاب إلى الشاعر اللخمي إالى محبي الموروث الشعر الجنوبي والمهتمين به. هذا الكتاب الذي زاد على 580 صفحة لم يكن عن الشاعر اللخمي، بل كان فيه تدوين عن الشعر والشعراء في منطقة الباحة بكل قبائلها سراة وتهامة، ولعل من إحسان الكاتب ابن خٌرمان ما قام به من إسناد واسع بالمراجع عن مشاهير من رجالات غامد زهران قبل الإسلام وفي بدايات العصر الإسلامي، فقد أورد معلومات عن أعلام من بناة الحضارة الإسلامية: مالك بن فهم الدوسي _ جذيمة بن فهم – حممة بن رافع الدوسي _ عمرو بن بن حممة الدوسي –حاجز بن عوف – الأعور بن عمرو الأزدي – الطفيل بن عمرو الدوسي – أبو هريرة (رضي الله عنهما) - الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم الأمير بخروش بن علاس بطل من أبطال مقاومة الوجود التركي، ثم فصل الكاتب عن ثلل من شعراء زهران في عصور متتالية، وما كان من شعر بينهم في مختلف الأغراض الشعرية، وخص أغلب الكتاب للشاعر صالح اللخمي دراسة للشاعر والشعر، بما يجلي صنائع المعروف بين الكاتب ابن خرمان وهو شاعر أيضا مجايل للشاعر اللخمي.

وفي جميل القول ما أشار إليه الشاعر العميد بن خرمان عن شعراء الباحة من المبرزين في الشعر الفصيح والمثال بحتري الباحة حسن محمد الزهراني رئيس النادي الأدبي في الباحة، والشاعر الدكتور أحمد قران الزهراني الذي بات ذا مكان في الشعر العالمي، حيث أختير لمنصة الشعر في إيطاليا، وكذا أشار إلى البروفيسور معجب بن سعيد الزهراني مدير مكتب العالم العربي في باريس وغيره من الشعراء أكاديميين وغيرهم، وربما أن الكتاب صدر من بضع سنين، فربما لم يسع الوقت للإشارة إلى شاعرين بارزين على مستوى الوطن والعالم العربي: الأخوين على ومحمد الدميني، ولعل الشكر والتقدير لسيادة العميد ضيف الله بن خرمان واجب والتزام. وأختم بقول الشاعر المهندس على الدميني:

ولي وطن قاسمته فتنة الهوى

ونافحت عن بطلحائه من يقاتله

إذا ما سقاني الغيث رطبا من الحيا

تنفس صبح الخيل وانهل وابله

تمسكت من خوف عليه بأمتي

وأشهرت سيف الحب هذي قوافله