في ظل استمرار العمليات العسكرية لقوات تحالف دعم الشرعية، وعلى ضوء المعلومات التي ترد على لسان الناطق الرسمي باسم هذا التحالف، وخاصة في مؤتمره الصحفي مطلع الأسبوع الحالي، المتضمن جملة من انتهاكات حوثية (وبدعم إيراني) صادرة من محافظة الحديدة بموانئها الثلاثة، ميناء الحديدة، وميناء الصليف، وميناء رأس عيسى، حيث بلغت تلك الانتهاكات وحتى يوم 6 /5 /1443هـ (1683) انتهاكا ما بين زوارق مفخخة ولغم بحري وطائرات مسيرة وصواريخ كروز وبالستية، وهو ما يعطي الدليل القاطع لحجم ومدى المخاطر التي تهدد أمن البحر الأحمر، باعتباره ممرا بحريا عالميا يتمتع بخصائص جيوإستراتيجية، لكونه يصل البحار المفتوحة شمالا عبر البحر الأبيض المتوسط وقناة السويس، والبحار المفتوحة جنوبا عبر مضيق باب المندب إلى خليج عدن فالمحيط الهندي، ويمر من خلاله 13% من التجارة العالمية وأغلب الإمدادات النفطية للدول الأوروبية، والتي تصل نسبتها إلى 60 % وإلى أمريكا بنحو 25 %، إلى جانب أنه يستخدم بصورة سلبية لبعض الجهات المشبوهة، فهو معبر للاتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلاح المهدد للسلام والأمن الدوليين.

وعليه فإن هذه المنطقة منطقة جذب للقوى الكبرى والإقليمية بغرض تحقيق مصالحها وأهدافها، وأن من يستطيع السيطرة على البحر الأحمر يستطيع التأثير على مجريات الأحداث الدولية، ناهيك عن أن الجزء الجنوبي من هذا البحر وخليج عدن يجاور منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الإستراتيجية، ومحط التنافس العالمي لبناء مراكز استخباراتية وقواعد عسكرية طمعا فيما تزخر به تلك المنطقة من موقع فريد وثروات شتى مثل الثروة المائية والزراعية والمعدنية والسمكية.

إن مثل هذه التهديدات والمخاطر جعلت من الدول المطلة عليه -وفي مقدمتها السعودية- تأخذ زمام المبادرة بتأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وتوقيع وزراء خارجية تلك الدول في مدينة الرياض يوم السادس من يناير 2020 على ميثاق التأسيس، كخطوة هامة لاجتماع القمة المنتظر للدول الأعضاء لوضع الميثاق موضع التنفيذ، والذي يهدف في المقام الأول إلى مواجهة المخاطر المشتركة، وتحقيق التنمية المستدامة، وضمان حركة التجارة والملاحة، وحماية البيئة البحرية، وتعزيز القدرات الأمنية والعسكرية.

إن وتيرة الصراعات والأطماع الدولية تتسارع يوما بعد يوم خاصة في المناطق البكر وغير المستغلة بشكل اقتصادي وتجاري، مثل منطقة البحر الأحمر بدوله الثمانية المطلة عليه، والتي هي صاحبة الحق في استغلاله وحمايته وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وقرارات محكمة العدل الدولية فيما يخص قانون البحار، الأمر الذي يتطلب الإسراع في حث الخطى لبلورة المجلس المذكور كواقع ملموس، وبما يخدم دول المنطقة وشعوبها ويحقق تطلعاتها نحو الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي وتوفير الحماية اللازمة لمكتسباته وحقوق الأجيال القادمة.