‏ثقافة المجتمع .. هي الخلفية المحددة لما هو مقبول ومستساغ ومستهدف أو غير-مستحب أو غير-مسموح .

‏الإعلام والبرامج الحوارية:

‏يقدم الإعلام البرامج الحوارية كمنصات تفاعلية تغير تصوراتنا وقناعاتنا وتعاملاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وتفرض مراجعتها وتصقل تعاملاتنا مع العالم ككل بنشر الوعي بالمواضيع الحيوية في قالب من المتعة والترفيه .. والهدف الإضاءة على ترندات عالمية أو الترفيه أو استكشاف رأي الجمهور حول موضوعات مثيرة للجدل أو مشحونة عاطفيًا أو قضية رأي عام .. وذلك يتم بإجراء نقاشات مع أهل الاختصاص عبر منظومة الأسئلة البنائية والتفاصيل الدقيقة لتقريب المشهد إلى الواقعية بما يجعل المشاهد قادرا على ربط حياته بالموضوع مدار النقاش المطروح .. والغاية الكبرى صنع المجتمع الواعي وصقله ثقافيا وهذا هو بيت القصيد ..

متضمنة مناظرات تعقد في إطار غير-رسمي لعائلة البرنامج والضيوف من أهل العلم والخبرة لفحص القضية قيد النقاش (الطبق الرئيسي) فحصا معياريا .. ومن ثم انتقاء المكونات والمنكهات وتحديد المقادير وطريقة الطهي الأكثر ملاءمة لذائقة وصحة ثقافة المجتمع ..

وكل ذلك في تواجد جيرانها (صحون الأفكار) النافعة اللذيذة وأهلها (جمهور المشاهدين) الأفاضل الذين تكرموا بقبول الدعوة. ‏

الربحية والتوعية:

‏وسائل الإعلام عادة تستهدف الربحية من خلال الإعلانات التجارية التي تستهدف البرامج الأعلى تقييمًا .. وتحددها استطلاعات الرأي لتقييمات المشاهدين من خلال العينة الواقعة في محيط دائرة المحتوى والإعلان .. وإذا كان اختيار البهارات ونوعها وطريقة استخدامها عنصرا أساسيا لتحديد جودة ما يتم تقديمه .. فإن هذا يحتم بعض الحذر حتى لا تسقط قوائم التصنيف من (مقبول – جيد – ممتاز) إلى (سيء - أسوأ - أكثر سوءًا)؟!

فهل يجب لساعات البث أن تغدو مخصصة للتسويق أو لتلميع جهة ما أو شركة معينة ورفع نسب المشاهدة والإعلانات فقط- يا ترى؟ أم يجب عليها - لزاما- أن تتضمن رسالة التوعية المجتمعية كطرح المحاور ذات الصلة في القضية حديث الساعة وإبراز النماذج الكفؤة ؟!

‏القدوة ‏الضيوف:

.. هم الركيزة الأساسية في أي برنامج حواري .. وفي هذه الزاوية تجدر الإشارة إلى أن تركيز الجهات الإعلانية موجه إلى الفئة العمرية (18-45) سنة لأن لديهم درجة أقل من الولاء للعلامات التجارية، وهم شريحة الدخل الأعلى .. فإذا كان الضيف له تأثير كبير على نسبة المشاهدة وقناعات المشاهد خاصة الشباب .. فيكون التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يتم انتقاء الضيف المؤهل المميز فعلا؟.

‏فهل الربحية هي المعيار الوحيد هنا ؟ أي حتى ولو كان الضيف شخصية مروعة ؟ أم أن اختيار الكاريزما في الضيوف واستعراض تجربة شخصية ثرية غير-معروفة وإبرازها للشباب وهم غالبية السكان وأمل المستقبل هو أمر أكثر نفعا للمجتمع؟ بمعنى آخر هل هؤلاء الضيوف يستحقون؟ وهل فعلا هم ذوي أهمية واقعية (القدوة)؟! ‏الاستراتيجية .. النقطة المفصلية التي يجب أخذها في الاعتبار عندما تقرر الشبكات جداولها للعام القادم هو المحتوى (الجديد) و(الجيد) ووجود المختصين وتقديم البراهين واستبعاد غير الخبراء وحفظ مستوى لغة الحوار ومنع التشابه في الأغذية الفكرية والتكرار والإسفاف .. لأن غياب المحتوى وحضور غير المختصين والسباق في البث بدون إعداد جيد وبالرغم من كونه رابح على المدى القصير إلا أنه مشروع خاسر وبشكل فادح على المدى الطويل ..

فهو سيزيح ثقل منحنى المشاهدة باتجاه بعيد وبشكل كامل لصالح منصات التواصل! ولعلنا نستلهم تجربة مصر الرائدة والسباقة في إعداد ولائم الزخم المعرفي وإثراء المائدة الثقافية في الإعلام العربي. ‏طاولة التقديم ‏في مشهد إعادة صياغة نصوصنا الثقافية على منضدة البرامج الحوارية في الإعلام .. تكون علامة الاستفهام مرتكزة عند هذا المحور .. هل (التسلية والترفيه) هي الهدف الأول فقط- أم المبتغى الأسمى لها هو أن تكون (مجديةً وملهمةً) للمجتمع كله وبالتوكيد .. وهل المراد أن تكون موجهة لتناول الأحداث المستجدة بموضوعية هادفة كوجبة صحية دسمة .. أم أن المطمح هو استحداث وتيرة استقطابية شعبوية لرفع منسوب التضاد في وجبة سريعة ضارة ..؟!