مثلما الحال في الشؤون والعلاقات الخاصة بالأفراد وبين البشر، كذلك هو في الشؤون والعلاقات العامة الخاصة بالهيئات القيادية الحزبية والنظامية: الأعصاب التالفة تنتج خسارة، حتى لو كان صاحبها على حق، والعكس قد يصّح في أحيان كثيرة: من حافظ على هدوء أعصابه، وضبط فلتات لسانه كسب شيئا من حق غيره، وغنم ما ليس له!، وقيادات حزب إيران في نواحينا هذه الأيام تحظى بالمجدين: فقدان أعصاب يُضاف إلى فقدان حق!.

الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب إيران، يتهم الأمريكيين بمحاصرة لبنان، والتسبب مع أتباعهم في الكارثة الضاربة أطنابها بالطول والعرض!، لكنه مجددا يخطئ التوصيف والتعريف والاستنتاج، ولا ينتبه مثلا إلى أن الأمريكيين «يحاصرون» نظام بشار الأسد في سورية وليس لبنان!، ويعاقبون «حزب الله» في لبنان وليس اللبنانيين!، والمعضلة المتحكمة بواقع الحال الراهن تكمن تماما في محاولة ذلك الحزب، على مدى السنوات الثلاث الماضية تحديدا، خرق العقوبات الأمريكية على حليفه في دمشق على حساب الخزينة اللبنانية، ومن كيس اللبنانيين، ومن أرزاقهم وخيراتهم، حتى وصلوا إلى القاع وما تحته!، وضرب الإفلاس والإملاق سوريا ولبنان، والسوريين واللبنانيين سواء بسواء!.

الأمريكيون لا يحاصرون لبنان، ولا يتسببون في انكساره، بل يفعلون العكس أو يحاولون ذلك، وعقوباتهم وحصارهم المالي والاقتصادي والتجاري والخدماتي والمصرفي تطال إيران ومتفرعاتها، وحزبها في لبنان أحد أبرز تلك التفرعات، وهو لذلك «يشعر» مع أمثاله بوطأة ذلك الحصار، ويعانيه تبعا لارتباطه التام بدولة «الولي الفقيه»، أي أن التشخيص عند الشيخ قاسم يحتاج إلى تصويب جغرافي وسياسي، كي لا يبقى الانفعال وفقدان السيطرة على الأعصاب وفلتات اللسان مدعاة إضافية إلى الهم والغم، ودلالة بيّنة على ضعف الحجّة، وركاكة الأداء، وانكشاف الضمور!.

وقبل الشيخ قاسم، خرج أحد رفاقه القادة في حزبه، ليصف أخصام الحزب بـ«الصيصان»!، ويتوعدهم بالخسران المبين ما داموا يتحركون بإيعاز «مؤامرات» الأمريكيين، وتبعا لما يبيّتونه ويشهرونه ضد «المقاومة» في لبنان وعموم المنطقة!، وذلك بدوره يدلّ على عصبية لا تليق بسياسي، وعقيدي واثق الخطى والفؤاد، ويؤمن بأنه محق وغيره مذنب!.

أخصام حزبه في لبنان هم اللبنانيون الذين لم يترك لهم تنظيمه الحديدي شيئا إلا وأخذه، ليضعه في حسابات إيران، منهم هؤلاء الأخصام الموصوفون بأنهم «صيصان» ممن كانوا في صفوف «المقاومة» ضد إسرائيل، وليس في صفوف من كان معها، وبعض هؤلاء «الذين كانوا معها» صاروا حلفاء ذلك الحزب، ورفقاء مسيرته الاستلحاقية بإيران، ومشروعها وأحلافها الأقلوية في عموم المشرق العربي!.

أما السيد محمد رعد، رئيس كتلة حزب إيران في البرلمان اللبناني، فقد عاد ليقدم شيئا من أشيائه اللغوية المأثورة، عندما قال إنه وصحبه وحزبه «أسياد البلد».. البلد نفسه الذي سبق أن محى تاريخه السيد رعد، واعتبره لا يستحق البقاء دون «المقاومة»، ولا داعي له أصلا دون تلك المقاومة!، وأن لبنان الماضي ما كان سوى مسخرة وملهى ليلي ليس أكثر!، وأن زمن الأمجاد والكرامات والعز بدأ مع حزبه ومقاومته، وليس قبلهما، ولا ضرورة له بعدهما!.

تلك عيّنة من عيّنات الغضب المكبوت، الذي يُترجم باللغة الفوقية المتخشبة والصادمة التي تدل أيضا على وهن القائل، وقلة تدبيره، تبعا لوهن الحصاد الذي يراه كل من عليها في لبنان وإيران وسوريا والعراق واليمن، وانكشاف المشروع على فشل تلو فشل، بعد أربعة عقود من «ثورة» أرادت «تحرير» القدس، لكنها لم تترك ديرة أو مدينة أو كيانا أو دسكرة عربية إسلامية إلا ودمرتها أو أسهمت في تدميرها دون تحرير شبر واحد من القدس أو غيرها، وأرادت «طرد الصهاينة» من فلسطين التاريخية، فإذ بهؤلاء صاروا في جوارها!، وعند عتبة دارها!.

ثم يسأل أحد شيوخ الحزب نفسه اللبنانيين، وباستنكار واضح، عما إذا كانوا «يعرفون ماذا يجري في اليمن ومع اليمنيين»! دون أن يرفّ جفن واحد من جفونه!، وهو أيضا يصدر عن وعي مأزوم، ولا وعي أكثر مأزومية!، وإلا كيف له ألا يسأل اللبنانيين عما إذا كانوا «يعرفون» ماذا حلّ بسوريا والسوريين على أيدي نظام الأسد، وحزب إيران، وأتباع حلف الممانعة المدعاة!، وماذا حلّ بعد ذلك باللبنانيين أنفسهم نتيجة ما فعله ذلك المحور أولا، وأساسًا.

عيّنات متعددة من أداء واحد تدلّ ويدلّ على بديهة في علم النفس، تقول بأن الصوت العالي دليل ضعف، وأن الأعصاب التالفة دليل أزمة مستحكمة، وهذه وتلك من عموميات اللبنانيين هذه الأيام، ومن ضمنهم بالتأكيد أتباع إيران الذين راحوا معها أينما راحت، ووصلوا وأوصلوا المنطقة وشعوبها إلى القعر!.

* ينشر بالتزامن مع موقع " لبنان الكبير" .