من المسلمات التي لا شك فیها أن إدمان المخدرات آخذ بالانتشار في أوساط الأحداث والفئات الشابة الصغیرة، من طلاب المدارس وحتی طلاب المعاهد والدراسات العلیا الجامعیة، والذی شمل معظم بلادنا العربیة إن لم یكن جمیعها، وهذه حقیقة لا مراء فیها.

ولیت الأمر وقف عند هذا الحد بل تجاوز موضوع المخدرات الحیز الفردي والاجتماعي في آن واحد، وأخذ یتمدد انتشارها في الأوساط كافة، علی مختلف مستویاتها المادیة والثقافیة والبیئیة، حتی وصل بنا الحال إلی هذا المنحنی المخیف لمستقبل مجهول، إذا تهاونا في عدم اتخاذ الإجراءات والحلول الناجعة والسریعة، للقضاء علی هذه الظاهرة، وإن کانت لیست ولیدة الیوم، فهي في الواقع منذ بدایة التاریخ، إذ کان الفرد بما هو کیان مستقل وبما هو کائن ینتمي إلی جماعة أو کتلة بشریة، یبحث في أمر تحقیق الذات، وفي إشباع رغباته المعلنة والدفینة.

وباستمرار کانت الثقافة السائدة تحدد سقف التحقیق الممکن، وحدود الإشباع المعقول، فالمعلوم عن المادة المخدرة هي طریق اللذة والنشوة وآله السلطنة کما یتخیلها المدمنون والمتعاطون.

ولا یخفی علی ملاحظ بصیر أن الاستسلام للمخدر ونشوته لا یستقیم لنفس تهوی الاقتحام وتشعر حقیقة بالقوة، وباعتبار الذات، وتعمل وتجهد وتشقی، وتحقیق المراد والمطلوب، بل إنه -أي الاستسلام- لمحبط یشعر بخواء الذات وتحس بالدونیة وتعیش الهلع والتوتر وقلق المواجهة مع الآخر.

وعندما تفقد الذات احترامها الخاص، وتخسر اعتبارها، فإنها تهدد بالفناء الوجودي وتشعر بالزوال أو السقوط الکیاني، فتضطر هذه الذات لأن تلقی اشرعتها في بحر المخدرات، لتبحر علی موجة المتهادي، لیشعر بعدها المتعاطي بلذة الخدر، وما تعطیه من إحساس بانشراح وفرح، لینساق في هذا القطیع من المدمنین.

لذا اسمحوا لي أن أدق أجراس الخطر، لأشير إلى أن مشکلة تعاطي المخدرات في بلادنا، مشکلة اجتماعیة، تتطلب تضافر الجهود الرسمیة من جهة، کما تتطلب تعاون المواطن وقوی الإصلاح من جهة أخرى، وفسح المجال أمام دراسة هذا الوباء، دراسة وافیة دقیقة، وتحدید أسبابها وکیفیة علاجها مع الحلول الممکنة كافة، للقضاء علیها، حتی نؤمن لأبنائنا وللأجیال القادمة الأمن والأمان، واجتناب السقوط في بحار الإدمان!!