يُدين العالم بأسره تقريبا الجرأة الحوثية في قصف المملكة العربية السعودية، والعاصمة الإماراتية (أبوظبي)، ومجلس الأمن ينتهج في الغالب هذه الخطوة، ويستنكر عمليات القصف المتكررة ضد أهم عواصم منطقة الخليج.

وعلى الرغم من أن الكثير من السياسيين والعاملين في الحقل الدبلوماسي يرون أن بيانات الإدانة والاستهجان والاستنكار «انتصار سياسي»، وهذا حقهم الأدبي على أقل تقدير، فإنها – أي البيانات – لا تُغير واقع الحال قيد أنملة، وقد تكون مُضرةً أكثر من فائدتها. كيف؟.

في حالة كحالة النظام السوري الذي لم يُنكر يوما عمليات القصف المُتتالية. لماذا؟. لأن الإنكار لا يخدم مصالح بشار الأسد مع حليفه «النظام الإيراني»، وفي ذلك إشارة أن طهران متورطة بتلك الهجمات، وليس أن دمشق في حالة عداء أو تنافر مع دول الخليج، لوقوفها مع الشعب السوري ضد النظام.

القصد أن الإنكار في صيغة بيانٍ مُنمق ليس هدفا يستحق اللهث وراءه، إنما يجب بحث الحلول الممكنة، لوقف هذا التمرد غير الإنساني الذي تمارسه، داخليا وخارجيا، جماعة خارجة عن القانون والأعراف الدولية، وثبت بالقول والعمل أنها مدعومة من نظام شكله سياسي، وباطنه ديني فاشي، يقوم على منهجية التخريب وزعزعة استقرار المنطقة.

والمشكلة، في ظني، التي تقف أمام ثني هذه الجماعة عن ممارسة الإرهاب أكبر وأعمق من قصف يحدث بين فينةٍ وأخرى، وذات تعقيدات وحساسية كبرى، وربما تدخل في مراهنات وتصفية حسابات سياسية، لكن الإقرار بأن عدم وجود هذه الثلة المارقة على قوائم الإرهاب العالمية، وعدم تجريم من يقف خلفها، هو خطأ فادح لا يغتفر، ولا سيما أن التغاضي عنها أسهم بشكل كبير في مزيد من تمردها، وجرأتها على النظام العالمي.

وأنا على الصعيد الشخصي أجد أن إقدام الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على رفع اسم جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، حين استهل فترته الرئاسية، يعود لعدة أسباب: فربما وقع الرجل في فخ المراهنات السياسية التي فرضت عليه التفكير في تغيير الصورة النمطية عن الرجل الأول بالولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما أنه خلف رئيسا عُرف عنه اندفاعه وحماسته بعض الشيء.

وقد يكون ضحية اللوبي الإيراني النشط في واشنطن والعواصم الغربية، الذى استطاع تحريف بوصلة المكتب البيضاوي عن هذا الملف، ودفعه لرفع اسم الجماعة من قوائم الإرهاب.

والاحتمال وارد بأن هذه الخطوة كانت من باب تصفية الحسابات السياسية مع دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية، نظير أنها كانت على وفاق مع سلفه، الرئيس دونالد ترمب.

البحث في مسببات إبعاد جماعة الحوثي عن قوائم الإرهاب ليس عذرا يعفي الرئيس الأمريكي وإدارته من تحمّل المسؤولية الكاملة عن أي تمادي أقدم عليه ربيب إيران في اليمن، وأعتقد أن الهجوم على العاصمة الإماراتية (أبوظبي)، قبل أيام، قد أعاد صانع السياسة الأمريكية للتفكير في الأمر من جديد، إذ برزت تلميحات من واشنطن أن الإدارة الأمريكية تفكر في إعادة النظر بوضع الجماعة على القائمة، وهذه خطوة محمودة، إلا إن كانت تهدف لتوظيف هذا الملف للابتزاز السياسي، للوصول إلى اتفاق مع النظام الإيراني، وهذه كارثة منتظرة، كما يرى السيناتور الجمهوري تيد كروز، عضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس، حين قال: «إدارة بايدن تعمل بشكل محموم على صفقة كارثية مع النظام الإيراني قد تتجاهل البرنامج النووي».

أعتقد أن الوقت قد حان لإعادة النظر في الحلفاء الإستراتيجيين الحقيقيين، واستبعاد كل من يتجاهل العلاقات التاريخية، ويتعامل معها حسب الأمزجة والمصالح الضيقة لأحزاب سياسية، وليس وفق منظور الدولة.

ومن ثم، فإنه قد وجب العمل على قراءة المبادئ التي يفترض أن تحكم العالم، ويتضح أنها إما أن تكون منقوصة في أصلها، أو غير قابلة للتطوير والحديث الذي يفرضه تغير آلة الزمن، أو أن تكون خاضعة للتلاعب السياسي الذي يهيئ الفوضى العارمة التي تحكم أروقة المؤسسات الدولية المناط بها الحفاظ على تطبيق هذا القانون، والتي انحرفت عن هذا المسار، وانشغلت بالبكائيات، وخلق فرص لتصفية الحسابات السياسية التي تقودها الدول المتنفذة على الآخر.

إن ما يمكن أن يُرضي شعوب الخليج هو الإجماع على تجريم صانع السلاح الإيراني الذي يعتمد الدفاع عن حامله، فالأمر يستدعي بدلا من الهرولة وراء النظام الإيراني، للحصول على مكاسب في ملفه النووي، الوقوف أمامه، وتحميله مسؤولية السلاح الذي يموله به الجماعة الانقلابية في اليمن، ويطال بين وقت وآخر دولةً آمنة مستقرة من دولنا، وليس بيانات إنكار، تتلى اليوم وتنسى غدا.

لا يهمنا كأبناء المنطقة وحكوماتها أن يشعر الرئيس الأمريكي، الذي اعتاد التزام الصمت «المفخخ» حيال إرهاب ميليشيا الحوثي، بينما ينشغل بتتبع الخطوات الروسية في كل بقعة على سطح الأرض، ويسعى لشيطنتها، بالندم نظير إبعاده جماعة إرهابية من قوائم الإرهاب، فما يعني لنا إيقانه، قبل كل شيء، بقدرتنا على حماية أوطاننا دون الحاجة إليه، ولا لصفقات سلاحه، فالحلفاء كُثر، والأبواب مفتوحة.

استمروا في اللهث وراء ملالي طهران.

المهم كفّوا عنّا، واذهبوا معهم إلى الجحيم.